تحت مسمى «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» أعلنت «المملكة» عن مولد منشأة جديدة ،لحماية الوطن و المواطن من جميع أشكال الفساد المالي و الإداري ، و الذي بدوره قد يؤثر على مسار عملية التنمية والازدهار والتقدم، الذي تشهده المملكة في هذه الفترة المزدهرة ، فالقرار الحكيم لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - كان صائباً، فوجود مثل هذه الهيئة يعمل على تكبيل أيادي الفاسدين و المفسدين و لا يمنحهم الفرصة لكي يتلاعبوا بمقدرات الوطن، فمن هذا المنطلق كان لنا هذا اللقاء مع رئيس «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد « الأستاذ «محمد الشريف» والتحاور معه حول دور الهيئة في مكافحة الفساد. مؤهلات خاصة بداية ماذا حققت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حتى اليوم على صعيد مكافحة الفساد؟ الهيئة ورغم أنها في طور النشأة باعتبار أن الأمر الملكي الصادر بإنشائها كان بتاريخ 13/4/1432ه، وأن تنظيمها صدر بتاريخ 28/5/1432ه وهو ما يجعل عمرها حتى الآن حوالي سنة واحدة، وإذا أخذنا في الاعتبار أن مرحلة النشأة يكون التركيز فيها عادة على إعداد الهياكل التنظيمية واللوائح وأدلة العمل وأيضا تشكيل وتحديد المنظومات الإدارية ووظائف الهيئة، ثم الدخول بعد ذلك في عملية التوظيف والتي تقوم على عدة أسس معينة وتستوجب توافر خبرات وقدرات ومؤهلات خاصة فيمن يشغل أيا من وظائف الهيئة، وذلك وفقا للشروط الخاصة التي نص عليها تنظيمها، إلا أنه كان لدى الهيئة عزم وإصرار على أن تبدأ وتمضي في تحقيق الأهداف التي أنشأت من أجلها،و ذلك من خلال الموظفين المتواجدين لديها منذ البداية، وقد استطاعت الهيئة ولله الحمد خلال هذه المدة البسيطة أن تباشر العديد من قضايا الفساد سواء التي تكتشفها بنفسها عبر تحرياتها واطلاعاتها على جوانب معينة في الجهات المشمولة باختصاصاتها، أو من خلال ما يرد إليها من بلاغات من المواطنين، عن حالات فساد في أي من تلك الجهات أو من خلال ما تنشره الصحافة المحلية، هذا وقد تم التعامل مع كافة هذه الحالات، وفق ما أوجبه تنظيم الهيئة، وذلك إما بالإحالة إلى الجهات الرقابية، أو إلى جهات التحقيق المختصة، ومن أهم ما تتابعه الهيئة حاليا، متابعة الشأن العام للمواطنين، وكذلك التأكد من وصول الخدمات إليهم، وتنفيذها على أعلى المستويات، وبما يتماشى مع الأمر السامي الذي تلقته الهيئة في هذا الشأن برقم 25686 وتاريخ 23/5/1433ه والذي أكد فيه خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – على الهيئة «بعدم الاكتفاء بمتابعة البلاغات بل لابد من الوقوف على ما أبلغ عنه ومعرفة الحقيقة، وكل من توجهت إليه التهمة، والرفع له» – أيده الله – عن ذلك. جهات رقابية رسمية إذن ما هي أبرز قضايا الفساد التي كان للهيئة دور في كشفها؟، وما هي نتائجها؟، وهل تتابعون القضايا حتى تصل إلى نهايتها؟. لدى اكتشاف الهيئة أو إبلاغها بأي من حالات الفساد، فإنها تطبق بشأنها ما ورد في تنظيمها، وتحديدا في الفقرتين (2،3) من المادة الثالثة والمتعلقتين بالتحري عن أوجه الفساد المالي والإداري ومن ثم إحالة المخالفات والتجاوزات المتعلقة بالفساد إلى الجهات الرقابية أو جهات التحقيق الرسمية بحسب الأحوال، وطالما أن حالات الفساد ضمن ذلك الإطار فإنه يمكن للهيئة أن تقوم بإعلانها دون ذكر أسماء المتهمين فيها، باعتبار أنها ما زالت في طور الاتهام ولم يصدر في حقها أية أحكام قضائية نهائية، كما حدث من قبل في عدة حالات، كما تقدر الهيئة باهتمام مطالبة بعض المواطنين بإعلان أسماء الفاسدين، وفي هذا الجانب فإن الهيئة تعد بذلك متى ما صدرت بحقهم أحكام واكتسبت الصفة النهائية. بلاغات المواطنين ما هي آليات عمل الهيئة في متابعة قضايا الفساد، بمعنى: هل تفتش الهيئة عن القضايا بنفسها، أم تنتظر حتى يأتي من يبلغ عنها؟. حرصا من الهيئة على رصد حالات وقضايا الفساد ولكي لا تحول الآلية المتخذة لذلك دون وصول بعض الحالات أو القضايا إليها، فقد عملت بالطريقتين، الأولى تستقبل الهيئة البلاغات من المواطنين وكذلك الحالات من الجهات الحكومية، ثم تتناولها بالبحث والتحري، كما تقوم بمتابعة ما ينشر في وسائل الإعلام عن القضايا المتعلقة بالفساد وإعمال دور الهيئة إزاءها، علما أن الهيئة لا تأخذ إلا بالبلاغات المتسمة بالمصداقية والتي تحتوي على المعلومات الشخصية لأصحابها وذلك وفق دلائل معينة، و من ثم تتولى الهيئة التحري المكتبي والميداني و ذلك لاستخلاص كافة المعلومات المتعلقة بالبلاغات، بحثا عن مكامن الفساد في أي منها ومباشرته طبقا لما هو مقرر نظاميا. يضاف إلى ذلك أن الهيئة تقوم بالتحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في العقود والمشاريع الحكومية بالمراجعة المكتبية والميدانية، كما تدقق أيضا في دور الجهات المرتبطة بتنفيذ العقود كالمقاول والاستشاري والجهة المالكة للمشروع. جهات ضبطية و رقابية هل تحال قضايا الفساد إلى الهيئة من الجهات المشمولة باختصاصاتها، أم تطلبها الهيئة؟. تطلب الهيئة أن تحال إليها القضايا من الجهات المشمولة باختصاصاتها، بناء على النصوص الواردة في تنظيمها، باعتبار أنها تمثل المرجعية النظامية لكل ما يتعلق بالفساد من حيث التحقق من وقوعه، وتصنيف الحالات ورصدها وكذلك التعرف على أسبابها ومتابعتها، كما تحال إليها القضايا من الجهات الرقابية والضبطية للأسباب ذاتها. لم يُستثنَ أحدٌ هل تهتم الهيئة بالقضايا الصغيرة قدر اهتمامها بالقضايا الكبيرة ؟. نحن في الهيئة نحرص على مباشرة كافة قضايا الفساد سواء كانت كبيرة أو صغيرة، باعتبار أن مكافحة الفساد هي هدف الهيئة في كل الأحوال، ولتحقيق هذا الهدف، يلزم مباشرة أي حالة فساد، تصل إلى الهيئة أو تكتشفها، صغرت أو كبرت، وذلك وفق ما ورد في الأمر الملكي رقم (أ/65) وتاريخ 13/4/1432ه القاضي بإنشاء الهيئة بأن «لا يُستثنى من مكافحة الفساد كائنٌ من كان». إرادة سياسية حقيقية هل تعتقد أن الهيئة لا زالت بحاجة إلى إرادة أو مساندة من الجهات العليا، لتنفيذ مهامها واختصاصاتها ؟ المعروف أن نجاح أجهزة مكافحة الفساد في كثير من الدول يعتمد على الإرادة السياسية، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في المملكة حظيت بإرادة سياسية حقيقية، دعمتها في أداء أعمالها متمثلة في دعم خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – الذي اعتبر الفساد الآفة الأولى التي يجب أن تحاربها المملكة وتقف ضدها، ولا أدل على ذلك من ربط الهيئة بخادم الحرمين الشريفين –حفظه الله - مباشرة، كما جاء في المادة الثانية من تنظيمها حيث نصت على الأتي: «ترتبط الهيئة بالملك مباشرة وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال التام ماليا وإداريا بما يضمن لها مباشرة عملها بكل حيادية وبدون أي تأثير من أي جهة كانت، وليس لأحد التدخل في مجال عملها» وأعتقد أننا في الطريق الصحيح طالما أن الإرادة السياسية داعمة لنا في أدائنا لأعمالنا، بدون حدود، ويجب أن نمضي في مكافحة الفساد بكل قوة، ودون خشية من أحد، إلى أن ينحسر الفساد وتتغير كثير من الأمور إلى الأفضل بإذن الله. الإعلام هو أحد شركائنا كيف تتعامل الهيئة مع ما تنشره الصحافة، ووسائل النشر المختلفة حول قضايا الفساد؟ لقد نص تنظيم الهيئة على تشجيع وسائل الإعلام على التعاون والإسهام في نشر الوعي بمفهوم الفساد، وبيان أخطاره وآثاره وكذلك أهمية حماية النزاهة، وأملنا أن تتبنى وسائل الإعلام هذا المفهوم، حيث إننا نعتبر الصحافة على وجه الخصوص من احد شركائنا الأساسيين، ولذلك نحن في الهيئة نتابع كل ما ينشر و يكون متعلقا بالفساد، ونتعامل معه بكل جدية، كما تأتينا قضايا فساد وإهمال كثيرة من خلال ما ينشر، ولاشك أن الهيئة تحرص أكثر على ما يتصف بالمصداقية والموضوعية، وكلما استطاعت الوسيلة الإعلامية أن تدعم ما ينشر بالمعلومات الصحيحة، قامت بواجبها ودورها في مكافحة الفساد وأسهمت في أداء الهيئة للقيام بدورها كما يجب، كما أننا ننظر إلى وسائل الإعلام بوجه عام كشريك رئيسي للهيئة في مكافحة الفساد، ونعول كثيرا على ما ينشر فيها متصفا بالمصداقية ومحتويا على المعلومات فذلك أدعى للوصول للهدف وهو مكافحة الفساد. أملنا أن تتبنى وسائل الإعلام هذا المفهوم حيث إننا نعتبر الصحافة على وجه الخصوص من إحدى شركائنا الأساسيين، ولذلك نحن في الهيئة نتابع كل ما ينشر و يكون متعلقاً بالفساد ونتعامل معه بكل جدية. اختصاصات منفصلة ما مدى التنسيق بين الهيئة والجهات الرقابية المناط بها العمل الرقابي، وما هي حدود العلاقة، وكيف تنظم؟ علاقة الهيئة بالجهات الرقابية هي علاقة تكاملية وقد نص على ذلك في تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في مادته الرابعة التي بينت تعاون الهيئة الكامل مع الجهات الرقابية، ولا يوجد أي ازدواجية أو تكرار في ممارسة أعمال أي منها، بل إن كلا منها يكمل عمل الجهة الأخرى، حيث يوجد لكل منها اختصاصات منفصلة يحددها نظامها الخاص بها. اهتمام بالنزاهة. سبق أن أوضحتم ما حققته الهيئة في مجال مكافحة الفساد، فما الذي تم تحقيقه في مجال حماية النزاهة؟ إن اهتمام الهيئة بالجانب المتعلق بحماية النزاهة، لا يقل أبداً عن اهتمامها بجانب مكافحة الفساد، ولدينا حرص كبير على ترسيخ المفاهيم ذات الصلة بحماية النزاهة، وهذه المفاهيم تنبثق منها جملة من المبادئ التي قد لا تكون موجودة بالقدر الكافي في السابق إلا أن الهيئة معنية بإرسائها وتعزيزها، ابتداء من وضع واعتماد النصوص التي تحكمها، مرورا بنشرها كقيم اجتماعية، وذلك عبر وسائل الإعلام وقنوات الاتصال المختلفة، وستتحقق بمشيئة الله كافة الآمال والطموحات في هذا الجانب،و ذلك عن طريق تضافر الجهود وتوحيد الرؤى نحو اكبر المعدلات من الشفافية والتي ستسهم وبصورة مباشرة في انحسار حالات الفساد وتلاشيها تماما بإذن الله. تعزيز مبدأ الشفافية غياب الشفافية، وعدم محاسبة الفاسدين من أسباب تفاقم الفساد، ما رأيكم؟ ظ هذه المقولة صحيحة بما لا يدع مجالا للشك، والشفافية رغم أهميتها ودورها البارز في مواثيق عمل الحكومة وطمأنة المواطن، إلا أنه لا يزال مفهومها محدودا لدى البعض، فالهيئة تسعى دائما إلى تعزيزها كمبدأ ومنهج وواجب نصت عليه الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، و ذلك في كافة تصرفات الجهات ولاشك أن غياب الشفافية وعدم الوضوح والإفصاح يؤدي بدوره إلى الفساد، لكن نحن في الهيئة لدينا برامج لتعزيز الشفافية والوقاية من الفساد كما هي برامج مكافحة الفساد، والهيئة عازمة على ملاحقة الفساد ومحاسبة أربابه، كما هي عازمة أيضا على سد منافذ الفساد ومراجعة الأنظمة والإجراءات وكذلك دعم استخدام التقنية في أداء الأعمال الحكومية. مؤتمرات دولية. كيف تتعامل الهيئة مع التقارير الدولية بخصوص المملكة العربية السعودية؟ تنص الفقرة التاسعة عشرة من المادة الثالثة من تنظيم الهيئة على أن الهيئة تمثل المملكة في المؤتمرات والمحافل الدولية المتعلقة بالشفافية وحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وكذلك التعاون مع الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية العاملة في هذا المجال، وإضافة إلى ذلك تقوم الهيئة بمتابعة تنفيذ الالتزامات التي ترتبها الاتفاقية المنظمة إليها المملكة، مثل الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، وتتناول الهيئة أي تقرير دولي بكل جدية، ثم تقوم بدراسته دراسة وافية، ثم تحدد على ضوء الدراسة المؤشرات التي على أساسها تم قياس مستوى الفساد في المملكة، وبدراسة تلك المؤشرات نحدد ما يتعين اتخاذه للدفع بالمملكة إلى مراتب أفضل في هذا الجانب، ويتم ذلك ببحث كل ما تتوصل له الهيئة من توصيات مع شركائها وفيما يرفع من تقارير للقيادة. مواجهة التحديات. ما أبرز التحديات والصعوبات التي تواجه الهيئة، وتصوركم لتجاوزها؟ كل الأعمال المتعلقة بمكافحة الفساد تمثل تحديات، وكل محاولات إرساء مفاهيم جديدة حتى و لو كانت محدودة الانتشار كمبدأ الشفافية أو حماية النزاهة يمثل تحديات أيضا، ولكن الهيئة لم تنشأ إلا لمواجهة هذه التحديات. وفيما يتعلق بالصعوبات فإنها لا توجد ولله الحمد، بالقدر الذي يمكن أن يعيق عمل الهيئة، ولكن باعتبار حداثة عمر الهيئة، وعدم وجود فهم حقيقي وكامل لدورها من قبل البعض «مؤسسات أو أفراد» فإن ذلك يؤدي أحيانا إلى صعوبة في أدائها لدورها، إلا انه ليس هناك أية عراقيل تحول دون ذلك ولله الحمد، فقد سبق أن نوهت بوجود إرادة سياسية حقيقية داعمة للهيئة في أعمالها، وهناك تجاوب كثير من مختلف الجهات الرسمية، كما أكد خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – في أكثر من مناسبة، على جميع الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة بتوفير ما تتطلبه من تقارير واستفسارات وملحوظات، وإجابتها على ملاحظاتها خلال ثلاثين يوما من إبلاغها بها، والرفع عن الجهات التي لا تتجاوب. كما أن الهيئة ترفع تقريراً دورياً وتقارير سنوية لخادم الحرمين الشريفين، وهذه التقارير تجد التأييد من لدنه -حفظه الله- ويوجه بشأنها بضرورة التنفيذ. ومن جانب آخر، فإن التحديات والصعوبات المتصورة والمرتبطة عادة بأي جهة مختصة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد، جعلت خادم الحرمين الشريفين يربط الهيئة به مباشرة، و ذلك لضمان سير أعمالها كما يجب، وبالصورة التي يتوخاها، ليطمئن -حفظه الله- على حفظ كافة الحقوق للوطن والمواطن. فروع جديدة هل تحتاج الهيئة في المستقبل القريب إلى فتح فروع لها في المناطق والمحافظات من أجل الوصول إلى مفاصل الفساد؟ لقد نص تنظيم الهيئة على أنها لها الحق أن تنشئ فروعا أو مكاتب داخل المملكة بحسب الحاجة، و ذلك من اجل التسهيل على المواطنين آلية التواصل معها، وأيضا متابعة الخدمات التي تقدم لهم، وسيتم ذلك بعون الله بمجرد الانتهاء من اكتمال تأسيس مقرها الرئيس، وأيضا توافر القدرات والكوادر والخبرات التي يمكن أن تمارس أعمال الهيئة بكفاءة عالية.