نشرت الأسبوع الماضي في زاويتي هذه مقالًا بعنوان (لماذا دبي؟)، يبدو أنه حرّك شهية الكثيرين من القراء فعلقوا عليه عبر الوسائط المختلفة، أكثرها وردني على الواتس اب، فضلًا عن البريد الالكتروني، أو موقع الجريدة التفاعلي، وأستطيع القول إن غالبية التعليقات التي وصلتني بشكل خاص كانت تصبّ في إطار بعينه، هي الجدل حول مدينة دبي الإماراتية بوصفها نموذجًا لما أذهب إليه في فكرتي التي طرحتها، ولكنني وقفت على نقطة جدلية محددة، هي التي دفعتني لاستكمال الفكرة في مقال هذا الاسبوع أيضًا. والجدلية الأساسية التي أنتجها المقال السابق تتلخّص في عدم قناعة البعض بالمشروع التنموي الذي اشرت إليه في إمارة دبي، فالبعض يرى أنه مشروع أسمنتي يفتقد الهوية، ولا يحيل على تراث وثقافة خاصة، وإنما هو عولمي غير واضح المعالم، والبعض يرى أنه مشروع متعجّل يريد أن يسابق الزمن في إنجاز أكبر قدر ممكن من المشروعات التنموية في مجال الاقتصاد والسياحة وغير ذلك، دون التثبت من مستقبلها وجدواها، وفئة ثالثة ترى أن مشروع دبي فشل وتراجع، والدليل تلك الأزمة الاقتصادية التي حاقت بمشروعاته في مجال العقار مثلًا. وتعليقًا على هذه الآراء أشير إلى نقطة الخلاف الأساسية التي صنعت هذا الجدل الحميد في ظني، فلولا هذا التفاعل الذي وردني عبر الوسائط التواصلية المختلفة لما تحمّست لمواصلة الكتابة في الموضوع ذاته، فأقول إن المقال السابق لم يكن هدفه إظهار الإعجاب والدهشة والتسويق لدبي، وما أنجزته من بنايات أو أبراج أو مجمّعات تجارية أو فنادق ومشروعات سياحية، ولم يكن يستهدف قطعيًا وضع مدينة دبي نموذجًا للحضارة بمعناها الحقيقي، إنما كان يركّز على لفت النظر إلى سر من أسرار نجاح تجربة مدينة دبي على المستوى العملي أو التنفيذي بوجهٍ خاص، أي نجاحها في كل ما أرادته وصمّمت على بلوغه، وفي فترة زمنية وجيزة. وبوضوح شديد أشير إلى أن سر نجاح هذه المدينة هو حرصها الكبير على جانب الجودة والمواصفات والمقاييس، وعنايتها الفائقة بتفاصيل التفاصيل في كل ما تنفذه، وهو سر تفتقده الكثير من المشروعات التي تنفذ في بعض الدول الخليجية بل والعربية، فثمة فارق بين أن تنفذ مشروعًا تنمويًا في بلدك وبين أن تعتني بتنفيذه على الوجه الأكمل، بحيث تحقق فيه أعلى اشتراطات الجودة، وأفضل مستوى للمواصفات والمقاييس، لاسيما أن المليارات نفسها تدفع هنا وهناك، وهو ما يدفع بنا للاشارة إلى الاختلاف في تحقق مستوى التنفيذ ذاته. إذن حين اتخذت دبي نموذجًا، إنما لكونها وببساطة شديدة حققت المعادلة الصعبة في إنجاز مشروعات تليق وتشرف وبمستوى عال من الجودة، وأرى أن دولة قطر سائرة الآن على الطريق نفسه، في تنفيذ مشروعات متينة، تميّزها قوة مواصفاتها ومقاييسها، وجودة لا تملك حيالها سوى الانبهار والإعجاب، أنفاق لا تغلق بعد أسبوع من افتتاحها؟ وجسور لا تهترئ وتتساقط بعد أن طال أمد تنفيذها.. وشوارع لا تحفر بعد سفلتتها بيوم أو يومين..، ومدارس لا تخرّ أسقفها من سحابة صيف عابرة!، لتبقى الجودة في التنفيذ هي فرس الرهان والغاية والهدف. [email protected]