من البداية أقول: لا يجب قصر الأسباب على انفتاح دبي، أو سقف الحرية المرتفع الذي اتسمت به، ومَن يعتبر ذلك سببًا أساسيًّا فقد خالف الحقيقة، ونظر إلى المسألة نظرة سطحية متسرّعة، بدليل أن الأسر السعودية والخليجية بما عُرف عنها من محافظة إنما تتخذ من دبي وجهة مفضلة لأفرادها في كل فرصة سانحة من اجازة أسبوعية أو اجازة رسمية، وأظن أن برهاننا هو ما اطلعنا عليه بعد اجازة عيد الأضحى المنصرم من إحصاءات هائلة أكدت أن الأسر السعودية ترى أن دبي وجهة سياحية مفضّلة تكفيها عناء السفر الطويل والتكاليف المالية الباهظة لبعض الدول الأوروبية وحتى العربية، فضلًا عن روحها الخليجية بعاداتها وتقاليدها. هذه الحقائق تدفع بي لتأكيد سؤالي السابق عن سر تجربة دبي، في ظل تأكيدات جازمة من أرباب السياحة على أن مدينة دبي تشهد حضورًا سياحيًا سعوديًا وخليجيًا مضاعفًا خلال هذه الفترة، فأي سحر وسر تحمله هذه المدينة، هل هو الإنجاز المتقن والتخطيط السليم، أم هو الإخلاص والتفاني من قبل القائمين على مشروعاتها، أم هي الإستراتيجيات الواضحة والشفافة، أم الافادة من التجارب العالمية، أم المسألة مزيج من توافر هذه الأسباب والإيمان بتحقيقها واقعًا. كثير من عائلاتنا السعودية تحزم حقائبها استعدادًا للسفر، من أجل قضاء إجازة ما بين الفصلين الدراسيَّين، وإحصائيات أهل الاستثمار السياحي تؤكد على أن مدينة دبي هي وجهة السعوديين المفضلة، ومثل هذه الإحصائيات الصريحة تضعنا أمام السؤال الأكثر طرحًا: لماذا دبي؟ هي بالتأكيد مزيج متناغم من الأسباب سابقة الذكر، ولكنني سأوجز ذلك كله في سببٍ واحد أتمنى أن نعي قيمته في مشروعاتنا الضخمة التي ننفذها بمئات المليارات، إنها المواصفات والمقاييس، فالذي وضح لي أن دبي تمنح هذا الشرط فائق اهتمامها، والدليل أننا نلحظ متانة مواصفات ومقاييس مشروعاتها، بمعنى أن الجودة هي الأساس وهي الطموح والمبتغى، ومتابعة تفاصيل هذه الجودة والتشديد عليها وعدم المحاباة في شأنها هو رهان هذه المدينة وطموحها الأول، لذلك هي تنتهي في الغالب الأعم إلى مرافق عامة متفردة، ومشروعات سياحية مذهلة، وبرامج سياحية جاذبة، ومبانٍ جميلة في كل شيء، في تصاميمها ومواد تنفيذها وأشكالها الجمالية، ومثل هذه الأمور ربما لا نتحسس تأثيرها بصورة مباشرة على راحة السائح واختياراته، ولكن واقع الأمر يقول: إن تعاطيك مع الجودة في كل شيء هو تعاطٍ مع الأكثر راحة ومتعة في تفاصيل حياتك، والجودة هي اللمسة الساحرة التي لا تتحقق بالنوايا الحسنة إنما بشيء من الصرامة والتصميم والمتابعة. نعم سرّ هذه المدينة في كونها جعلت مواصفات ومقاييس كل مشاريعها لمسة سحرية، فخططت ونفذت، وكلفت وتابعت، وسنت القوانين واحترمتها، وتطلعت للأجود وبلغته، ونشدت التميّز وحققته، وهي الآن مدينة عالمية جاذبة على الأرض الواقع والحقيقة لا في خيالات المسؤول ولا على ورق المصمّمين، وكم كنت أتمنى أن نستوعب هذا الدرس جيدًا وأن نعمل بموجبه، بحيث ننفذ مشروعاتنا بهاجس التجويد والتفرّد لا بهاجس أن ينجز وكفى، وعلى أي شكل من الأشكال!! [email protected]