يرى بعض الناس الأشياء كما هى ويتساءلون لماذا,أما انا فأتخيل الاشياء التى لم تحدث وأقول لم لا (جورج برناردشو). كيف يمكن تقويم البشر ومقارنتهم مع آخرين , معتمدين على خط عمودي وآخر أفقي صاعد هابط , يلتقيان ليشكلا زاوية مستقيمة, على كل خط فيها درجات نقيس بها عموديا المشاعر, وأفقيا العقل وهكذا, بامكاننا أن نكتشف ضعف المشاعر أو قوتها بين انسان وآخر ومقارنته بآخر , حسب مقاييس حسابية دقيقة, لاشك أن هذا خطأ فادح فنحن لا نستطيع قياس المشاعر طولا وعرضا وكأنها كيلومترات نسبر فيها المدى لأن المشاعر الانسانية وقوة العقل لا تقاس فهي أشياء غير ملموسة , وهذا معناه انه يجب ان نعلن الشك في كل شيء نراه سواء مكتوباً أو غيره , وجرأة الشك تكمن في تمزيق كل الأفكار السابقة التي تعودنا عليها والبحث في شيء جديد معتمدين على قوة الملاحظة والتحليل المنطقي السليم, فقد تعودنا على أخذ كل ما يدور حولنا على شكل مسلمات وكأنها حقائق ثابتة لا تقبل النقاش أو البت فيها , إلا أن مؤلف كتاب (البجعة السوداء ) نيكولاس طالب المتخصص في علوم منظومات القيم التي يتشكل منها البشر هي منظومات وجدانية ترتبط برموز خلقت عبر الزمن فتتشكل بالإنسان من خلال التنشئة الاجتماعية ، ومنظومة القيم الادراكية من المعارف والحقائق العلمية التي يستوعبها الإنسان خلال التنشئة, ومنظومة القيم التفضيلية على أساسها يفاضل الإنسان بين الأشياء ويختار بينها اللايقين والرياضيات والعشوائية, قلب الطاولة في وجه الركود والخمول العقلي الذي تعودنا أن نكونه , حيث أن فكرة الكتاب الرئيسية كانت حول الأحداث الضخمة والمفاجئة والتي لم يتوقعها أحد وضعف القدرات البشرية, ورمز البجعة السوداء أتى من معتقدات يونانية حيث ان البجعة السوداء كناية عن شيء غير موجود, وهذا الاعتقاد كان ساريا في اوروبا حيث ان الاوربيين لا يرون إلا البجعات البيضاء , فأصبح هذا الاعتقاد بالنسبة لهم كحقيقة علمية غير قابلة للشك او التفاوض ,وبعد اكتشاف استراليا شاهد أحد المستكشفين بجعة سوداء ما هدم كل المعتقدات التي كان يحملها الأوروبيون سنين طويلة حول عدم وجود بجعة سوداء. وهذا الكتاب جاء كرسالة لنا من أجل التعرف على الحدود التي تفصل بين خبراتنا وملاحظاتنا والهشاشة التي نعيشها في معرفة العالم المحيط بنا ,لأنه ربما تكون هناك معلومة اتكأنا عليها زمنا تصبح غير صحيحة وتهدم كل معرفتنا السابقة التي كنا نثق بها , وكل هذا يرتبط بالمنظومات البشرية , حيث إن منظومات القيم التي يتشكل منها البشر هي منظومات وجدانية ترتبط برموز خلقت عبر الزمن فتتشكل بالإنسان من خلال التنشئة الاجتماعية ، ومنظومة القيم الادراكية من المعارف والحقائق العلمية التي يستوعبها الإنسان خلال التنشئة, ومنظومة القيم التفضيلية على أساسها يفاضل الإنسان بين الأشياء ويختار بينها, فهي تستند على القيم الوجدانية والادراكية , فهذه المنظومات تجتمع في كُلّ مكتمل, اجتماعا أكثر أناقة لتشكيل الإنسان , ودوائره المتداخلة , وأفكاره المتأرجحة بين حروف وكلمات, أفكار ومعرفة تطلعات ومصير هو أشبه بالفوضى العاصفة ,ولكن دور العقل هنا جدا مهم فلا يجب ان نستكين لهذه المنظومات ونستنسخها , ويجب أن يلعب الذكاء هنا دور المرشد الذي يتحسس مكامن اللامألوف في حياتنا , ويستحث العقل البشري ليبحث عن الحقيقة الغائبة ويمزق كل صحف الماضي بشك أعتى من شك ديكارت , ويجب أن نقتنع ان معارفنا نحن البشر محدودة حول ما نعلمه ومالا نعلمه ومالا يمكن فهمه وطبيعي أن المجهول لا يوجد لدينا ادوات للتعامل معه , لذلك يجب أن نترك دائما الباب مواربا لمعارفنا وافكارنا وما يحدث حولنا لربما ظهر لنا بجعة سوداء تقلب موازيننا رأساً على عقب. [email protected]