كثيراً ما يقع في حياتنا الخاصة، أو حتى في العالم من حولنا، حدث ما لم نكن لنتوقع حدوثه من قبل! ومع ذلك وبعد حدوثه نعيد رؤيتنا وتفكيرنا فيه من جديد. فنؤلف القصص والروايات التي نقنع أنفسنا بأن هذا الحدث لم يربكنا ولم يفاجئنا بل كنا متوقعين حدوثه!! هذه الأحداث هي موضوع كتاب "البجعة السوداء" Black Swan لنسيم طالب. ونسيم طالب هو أمريكي من أصل لبناني متخصص في علم الاحتمالات وبحث الغموض. وسبب تسميته لكتابه بالبجعة السوداء يرجع الى الافتراض الذي شاع في أوروبا في القرن السابع عشر الهجري، والذي يقول ان جميع البجع أبيض. ومن الاستحالة وجود بجع أسود!! ومن هنا أتت "البجعة السوداء" كرمز لشيء كان يعتقد باستحالة وجوده أو حدوثه. يركز نسيم في كتابه على الظواهر النادرة الحدوث وأيضا يركز على عيوب التفكير البشري، وكيف أن الانسان يركز في تفكيره على أدق التفاصيل وتغيب عنه الصورة الأكبر! يرى نسيم أننا عبيد لتفكيرنا في الأشياء المألوفة والعادية مما يجعلنا نتأخر ولا نستفيد مما يقع لنا من أحداث. ويرى أن مصطلحات من قبيل "المجهول" و"اللامعقول" و"اللامؤكد" كلها فئات معرفية غير دقيقة ومضللة!! وهي أصنام فكرية يعبدها تفكير البشر!! وكلها تعبر عن نقص معرفتنا وجهلنا! ويرى أن لدينا ما يسمى ب "وهم المعرفة" أي أن الفرد منا يعتقد أنه يعرف ما يدور في هذا العالم الذي هو أكثر تعقيدا وعشوائية مما يظنه الفرد. كما أن الفرد حتى بعد وقوع الحدث يحور ويغير من طريقة تفكيره حتى يظهر توقعه لهذا الحدوث! بل يبالغ في هذا الأمر مما يسيء لتعامله مع هذا الحدث. يفاجئنا "نسيم" بأن أم مشاكل المعرفة لدينا هي "المعرفة الاستقرائية" ويتساءل كيف للانسان أن يذهب من مثال محدد وضئيل ليصل الى استنتاجات عامة!! أيضا يضرب "نسيم طالب" عدة أمثلة على البجعات السوداء. كالانهيارات الاقتصادية التي حدثت في مختلف دول العالم، ونجاح محرك البحث "جوجل"، وحتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر!! مما يجعلني أفكر إذن هل "الثورات العربية" بجعات سوداء هي الأخرى؟! ختاما؛ كتاب "البجعة السوداء" كتاب ممتع ومثير. وبه كم هائل جدا من المعلومات المتنوعة.. وستبهر عزيزي القارئ بمدى تنوع وغزارة معرفة الكاتب! والأهم أنه سيجعلك تفكر في طريقة تفكيرك كثيرا!! إضاءة: أعتقد أننا مجرد ماكينات "عظيمة" للنظر الى الوراء، وبأن ليس هنالك من هو أشد من البشر مخادعة للذات. وكلما مر علي عام زاد اقتناعي بهذه العلة البشرية!! "نسيم طالب"