اللوحة كائن من صنع الفنان ينبض بمدلولاته الفكرية والنفسية باستدعاء خياله مؤسسا لأفكاره الجمالية وآفاقه الفلسفية فتبرز لنا لحظات انفعالية تخترق أحاسيسنا فنتتبع ذلك الوعي بدقة, وتدعونا علاقاته الجمالية لحوارية بصرية باختيارات لمشاهدات واقعية وانطباعات ممزوجة بخيال لوني مفتوح ذات أبعاد ضوئية يستحضر فيها متعة التذوق .. نلمس ذلك في المشاهد الحياتية التشكيلية المرسومة بإحساس الفنان الرائد ضياء عزيز المنبثق من (رحِم الحجاز) حيث سُطوع الشمس وسُلطة الضّوء على المكان والوجدان .. يلامس الأشياء ويرسم إيقاعات تنبثق منها جمالية التباين بين (الضوء والظل) كخاصية زمنية لا جدل فيها. تنوّع لا محدود وعند الوقوف على العطاءات الفنية لفنان كضياء عزيز فإننا لا نستطيع أن نوجز أعماله في قراءة واحدة فنحاول هنا جمع بعض الرؤى البصرية في خطابه البصري. يشكل ضياء مرجعا بصريا جماليا فأعماله كمتحف نرجع إليه في حفظ التراث الشعبي الخاص بمنطقة الحجاز كما تجاوز فنه حدود اللوحة إلى المنحوتات، بالإضافة لاهتمامه بالميادين فأنجز العديد من المجسمات الجمالية بخامات متعددة وأبعاد مختلفة داخل المملكة وخارجها وتعتبر بوابة مكة (1979م) التي وضعت كمدخل لمدينة مكةالمكرمة رمز من الرموز المهمة التي صممها الفنان. المكان كبيئة غبداعية يبحث الفنان في أعماله عن زمن مفقود وذكريات لها قيمتها الفكرية والتاريخية ولها مكانها العميق والثمين في ذاكرته كونه يرى أن ( الأعمال الفنية التي تفتقر للذاكرة تموت)، ورغم تعدد مفرداته إلا أنها لا تخلو من : - بعد مكاني - بعد زماني (الظل والنور) - إنساني في الجسد والوجه (البروتريه) كعناصر مكمِّلة لبعضها فيقدِّر ضياء المكان ويتفاعل مع معطياته ودلالاته التاريخية وذكرياته من خلال طرحه الواقعي للحياة اليومية في الحارة القديمة وما فيها من مفاهيم جمالية (كبيئة ابداعية) تغيرت بمرور الزمن وأصبح التغيُّر منعكساً على الإنسان والمكان، فتتيح أعماله للذاكرة السياحة في ذلك الزمن الجميل وتمنحنا واقعيته الوضوح في التأويل والسفر بإدراكنا التواصل مع منجزه التشكيلي فنشعر بمعايشة بصرية حياتية ونحن نتأمل ( في بعض الأعمال ) دخول الضوء وتخلله فتحات الرواشين الأفقية فينعكس على الأرضيات والحوائط فتضئ المكان ، بالإضافة إلى كونه عنصر جذب في أعماله التي تحمل طابعا خاصاً ويصفها هو ب (بالواقعية الحديثة) بل هي مدرسة جديدة خاصة به (مدرسة ضياء عزيز) له فيها بصمة ورؤية مميزة وكمنهج إبداعي مرتبط بمفاهيم فلسفية يستجيب فيه لصوت إحساسه فنتعرف مباشرةً على أعماله ونتعايش مع لونه وضيائه الذي يملأ نفوسنا بطاقة مشعة فكأننا نستمع لذلك الصوت الداخلي في نفس الفنان فيجعلنا نقترب أكثر وأكثر يلفتنا حضوره القوي ويلامس ذائقتنا البصرية. يقول ضياء : إن أعماله ( تمثل تراث البلد من خلال الإنسان الذي يحيا مختلف الظروف السّارة والحزينة والصعبة والأليمة فيه ). فاهتم بتصوير شخصيات عديدة تنتمي لأسرته والأسرة المَلكية مركزا على الوجه الانساني وما له من معان عميقة للتعبير عن الحالة العاطفية وما يكتنزه من أبعاد فنية ونفسية، بالإضافة إلى جاذبيته الجمالية، ويهتم بتصوير المشاهد الحياتية التي تظهر فيها الحركة المتداخلة في المواضيع الدينية والألعاب الشعبية والأسواق وأماكن التجمعات التي يرتادها الناس والحِرَف القديمة التي تصور كفاح الانسان من أجل الحصول على لقمة العيش فيرصد مشاهدات من ذاكرته للواقع الإنساني وعلاقته بالمكان وحالته الوجدانية والحركية متنقلا من السكون لإيقاعات حركية، فالمتأمل لأعماله : ( تقشير السمك , عصّارة السِّمسم , اللَّبان , الفرَّقنا , البازان) يراها كمشاهد تشعرنا بالحياة على الطرقات القديمة , ولم يهمل ضياء المرأة فلم يعبر عنها كقيمة تشكيلية بحتة، بل كجمال داخلي وحالة انسانية تحمل بداخلها الحنان والتضحية والعطاء بلا حدود , صورها تقوم بأدوارها الحياتية اليومية في المنزل، بل جعلنا نتواصل مع روحها الشفافة وهي تقوم بأعمالها المنزلية البسيطة دون ملل فكانت أسرتها وطنا بالنسبة لها , بالإضافة إلى تعاطيها مع عناصر من الجمال والبهجة في زيها الذي ترتديه بألوانه الزاهية ليصل بنا إلى قمة التذوق الجمالي فظهرت في لوحات عديدة منها: ( نشر الغسيل , كي الغُتر)، والمتأمل شخصياته يجد أنها مراحل مختلفة بداية بالمراحل الأولى للأطفال حتى مراحل متقدمة فأهتم حتى بلحظات الطفولة وتعبيرهم الصادق الذي يحفّه الفرح واجتماعهم حول (الألعاب الشعبية) في أعماله: (نجوم الليل , العَجلة , لعبة الكمكم , السقيطة ) وكان لكل لعبة طريقة وقواعد محددة , فيدوّن في وثائقه البصرية كيف كانت تقضى أوقات الفراغ بصورة مبسطة واضحة فينقلنا لعالم مليء بالأُنس فننصت لكل لوحة نستمع لمحاوراتهم وأهازيجهم وضحكاتهم كنغمات خالدة في أعماله تولت ذاكرته التقاطها ليجسدها في لوحاته بألوانه الزيتية فنكتشف معه مكامن الجمال فيها, لا يحاول ضياء منح تفاصيلها الدقيقة أحياناً صفة الوضوح بقدر ما يحاول أن يعطيها حقها من اللون ومعانقة الضوء (كمحورين أساسيين في أعماله) فتكتسي ضبابية لونية مريحة للعين تخفف من حيوية اللون , ودرجة وضوحه فتذوب حدود الصورة وتمنحنا حرية تتجاوز أفق المفردات إلى المساحات الملونة المجاورة. احدى لوحات الفنان