المتأمل في تكوينات محمد الشهري التشكيلية يلاحظ ما تمتاز به من تنظيمات جمالية وإيقاعات خطية ذات إيحاء بالتناغم والترديد، كما تتميز بالهارمونية اللونية التي تحققت من خلال تلك التناغمات التي توحي تارة بالأحمر الدافئ أو البني القاتم أو الأبيض الذي يعبر عن النور والصفاء، حيث تلك الرموز الدينية التي تتجلى بشكل جلي ممثلة في بيت الله الحرام (الكعبة المشرفة). تنوع التكوينات في أعمال الشهري تتنوع التكوينات في أعمال الفنان محمد الشهري فمنها ما يقوم على الرمز ذي الدلالة التعبيرية، ومنها ما يقوم على الإيقاعات الخطية المتحولة إلى الحروفية، ومنها ما يقوم على الرؤية التمثيلية ذات الإيحاء الرمزي، ومنها ما هو قائم على التجريد ذي الدلالة التعبيرية، ومنها ما هو قائم على تحولات الضوء إلى أطياف نورانية، وفيما يلي توضيح لذلك: أولًا: مجموعة الأشكال الرمزية ذات الدلالة التعبيرية: تمثّل هذه المجموعة فيضًا من الحلول التشكيلية المتباينة والقائمة على تناغم عناصرها، فهناك ما يظهر وكأنه علاقات جمالية تمثل حالة لا شعورية قائمة على الاسترسال والتباين بين قواتم وفواتح الألوان، فكأن هناك نور ينعكس على أجزاء من العمل الفني، فنرى العلاقات التشكيلية وهي تتحول ليسودها الفاتح محققة حسًا جماليًا يعكس قيمة الشفافية في العمل الفني. ويغلب على تلك المجموعة البناء الرأسي الذي يتوسط العمل الفني، وبرغم الثراء اللوني الذي يتحقق بمختلف جزئيات العمل، إلا أن الحلول التشكيلية التي قدمها الشهري تعكس توازنًا جماليًا بين تشكيلات قواتم الألوان المتكتلة وشفافية فواتحها، والمتأمل المدقق في رؤيته لهذه الأعمال إذا حرك شباكًا مفرغًا مساحته 10×10سم على مختلف جزئيات مسطحات أعمال الشهري لوجدها غنية بالألوان كما تمتاز بثراء التكوين. ثانيًا: مجموعة الأشكال ذات الإيقاعات الخطية والحروفية: الإيقاعات الخطية لدى الشهري تتسم بالتنامي والاسترسال والانتشار ثم التحول إلى الحروفية، التي تتطاير في تناغم وتوالد من أعماق القاتم ثم التلاشي في الأفق المتمثل في شدة الفواتح التي يسودها الأصفر، وتلك التراتيل الجمالية التناغمية التي تنبعث من العمل تتذوقها العين وتطرب لها الأذن، إنها تراتيل جمالية، وموسيقى تتسم بالهارمونية، وانبعاث طيفي جمالي ذي مدلول رمزي. فالمشاهد المتأمل لتشكيلات تلك المجموعة يلاحظ ذلك التناغم الجمالي الناتج عن توزيعات التشكيلات الحروفية، التي تنبعث من تلك البقع اللونية القاتمة منتشرة على المسطح اللوني الفاتح، وتلك التشكيلات الحروفية تمتاز بتناغماتها اللونية حيث تظهر في مجموعات كل مجموعة ذات هارمونية لونية وخصوصية إبداعية تشكيلية تمثل مع مثيلاتها تناغمًا جماليًا. والتوظيف اللوني في مجمله يمتاز بالتناغم والهارمونية، مما يضيف للأعمال الفنية قيمًا جمالية. ثالثًا: مجموعة الأشكال التمثيلية ذات الإيحاء الرمزي: في هذه المجموعة استخدم الفنان عناصر من الطبيعة ممثلة في عنصر الخيل، وتتأتى قيمة هذا العنصر في كونه رمزًا لدى العرب للجود والكرم، كما أنه رمز للشجاعة والإقدام والجمال والقوة والذكورة المفرطة، أي أنه يحمل العديد من الدلالات التي تجعل منه قيمة تعبيرية ورمزية في آن واحد. والمشاهد لأعمال الشهري في هذه المجموعة يلاحظ أن عنصر الخيل كثيرًا ما يمثل دخولا لفضاء العمل، كما يلاحظ تنوع التعبير في العنصر الثري، فنراه تارة يعبر عن حالة من العنفوان وأخرى يرمز لاستشراف الأفق البعيد بطابع يسوده الحس الشعبي. ونلاحظ في تلك المجموعة تميزها بكثافتها اللونية التي أفادت في تحقيق إيقاع خطي جمالي نتج عن حالة من التمشيط التي حققها الفنان بمختلف عناصر العمل. أما عن التوظيفات اللونية في تلك المجموعة فنلاحظ سيادة الهارمونية والانسجام اللوني في بعض الأعمال، وتقارب بعضها الآخر من التباين اللوني، حيث استخدم الفنان الأخضر المطعم بالأصفر، والأحمر المطعم بالأصفر، وكلٍ من الأخضر والأحمر لونان متباينان، إلا أن الهارمونية تحققت من خلال اللون الأصفر كوسيط بين الألوان. رابعًا: مجموعة الأشكال التجريدية ذات الدلالة التعبيرية: تمثل المفردات المعمارية في هذه المجموعة مصدر السيادة، كما تتسم هذه الأعمال بالترديد الناتج عن فتحات النوافذ ذات الأشكال الإيقاعية، التي تتنوع في أشكالها وألوانها وحلول كل منها التشكيلية. كما تتميز هذه المجموعة بدفء ألوانها الناتج عن سيادة الأحمر والبرتقالي المحمر الذي يكسب الأعمال الإحساس بالسخونة والدفء. وعن تكوينات هذه المجموعة فتمتاز بتقسيماتها إما الأفقية أو الرأسية في مساحات متباينة، من حيث الشكل والعناصر المستخدمة فيها والألوان وتداخلاتها. خامسًا: مجموعة الأشكال ذات التحولات الضوئية إلى أطياف نورانية: في هذه المجموعة نلاحظ سيادة النور وانبعاثه من مجموعة الأعمال المستلهمة من الجانب الديني، حيث يظهر أسمى رمز ديني ممثلًا في شكل الكعبة المشرفة التي تحيطها الهالات النورانية التي تبدو مخترقةً للأشكال والعلاقات التشكيلية التي تحيط بها. لقد استشرف الفنان طيفًا نورانيًا تحول فيه الضوء العادي إلى نور سرعان ما تصل من خلاله الكثير من القيم إلى وجدان المشاهد، وأولى هذه القيم قيمة النور النابع من القرآن الكريم: (نور على نور...)، (الله نور السموات والأرض....)، ثم قيمة الشفافية، حيث تأثرت مختلف العلاقات التشكيلية بهذا النور فتحولت إلى أطياف تتسم بالخفة، ثم قيمة التناغم اللوني والهرمونية، حيث العمومية الفاتحة نتيجة لعمومية وسيادة النور. وأعمال الشهري في مجملها تتميز بكثافتها اللونية وحلولها الإبداعية المتنوعة. والمتلقي لهذه الأعمال عندما يدقق الرؤية فيما تتضمنه من تشكيلات وإيقاعات وتوظيفات لونية يكتسب من الخبرة البصرية ما يؤهله للتذوق والإبداع، حيث يتم إنجاز الرؤية البصرية من خلال التنشيط البصري للعين وكذلك التفسيرات التي يقوم بها العقل للمثيرات الحسية، ويستخدم العقل من أجل فهم ما تشعر به العين أو تحسه.