قدرت المملكة مع مطلع العام الجاري إجمالي الإيرادات العامة لعام 2012م عند 702 مليار ريال وإجمالي المصروفات عند 690 مليار ريال وذلك بفائض قدره 12 مليار ريال، وهي تقديرات متحفظة كثيراً، إذ إن الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل رئيس على الإيرادات النفطية بما يزيد عن 90 بالمائة. وكما هو معلوم، يعتمد إنتاج النفط وأسعاره على الطلب العالمي ومعدلات النمو في الاقتصاد العالمي خصوصاً من الدول المستهلكة له (أمريكا والصين والهند واليابان ودول الاتحاد الأوروبي) باعتبار أنها دول صناعية ومستهلكة له. ففي بداية العام الحالي توقع صندوق النقد الدولي تعافى الاقتصاد العالمي ونموه بنسبة 3.5 بالمائة لعام 2012م مقارنة مع 3.6 بالمائة للعام السابق وذلك بنسبة انخفاض طفيفة 0.1 بالمائة مما أبقى سعر النفط العربي الخفيف (النفط الذي تنتجه المملكة) على استقرار عند مستوى سعري (112-123) دولار للبرميل خلال الربع الأول. ومن ثم قام الصندوق بتخفيض توقعاته لنمو الاقتصادي العالمي إلى 3.3 بالمائة وذلك بفعل تفاقم الأزمة المالية الأوروبية واعتماد بلدانها سياسة التقشف, وانكماش اقتصادياتها إلى 0.4 بالمائة وانخفاض الإنتاج الصناعي الصيني والياباني وبالتبعية انخفض النمو الاقتصادي لديهما إلى 8.2 و1.8 بالمائة على التوالي إضافة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في أمريكا مما أدى إلى انخفاض سعر النفط العربي الخفيف إلى أدنى مستوى له عند 94.5 دولار للبرميل. التوقعات لميزانية العام القادم 2013م تشير إلى استمرار الإنفاق على التعليم والصحة والإصلاحات في البني التحتية وأن تكون الإيرادات المتوقعة متحفظة نسبياً. وخلال الربعين الثالث والرابع عادت أسعار النفط إلى الارتفاع واستقرت عند مستويات تتراوح ما بين (100-111) دولار للبرميل بالرغم من التوقعات بانخفاض النمو الاقتصادي العالمي إلى مستوى 3.1 بالمائة وانخفاض التوقعات لنمو الاقتصاد الصيني إلى 7.6 بالمائة بعدما كانت تشير إلى بلوغه 8.5 بالمائة. وكان للحظر الذي نفذته أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي على النفط الإيراني دور في استقرار هذه الأسعار وذلك نتيجة لتخوف الأسواق النفطية من انخفاض الإمدادات النفطية خاصة وإذا ما علمنا أن إيران تعُد ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة الأوبك بعد المملكة العربية السعودية بإنتاج يصل إلى (3.48) مليون/ برميل في اليوم وانخفض انتاجها بفعل الحظر إلى مستوى (2.68) مليون/ برميل في اليوم لتتراجع إلى المرتبة الثالثة في المنظمة بعد السعودية والعراق. وفي المجمل لما سبق شهدت أسعار النفط خلال العام الحالي عدد من التقلبات، ويعود ذلك بشكل كبير إلى انخفاض التوقعات لنمو الاقتصاد العالمي بالصورة المتوقعة خصوصا القادم من دول شرق آسيا نتيجة لانخفاض معدلات النمو الاقتصادي لديها خاصة من الصين, وأزمة الدين العام في أمريكا وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وعدم مقدرة الأسواق الأمريكية على خلق مزيد من الوظائف بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي وانكماش اقتصادياتها وأزمة الدين العام وعجز الموازنة لدى كل من اليونان والبرتغال وايرلندا واسبانيا وإيطاليا وبرامج التقشف التي اتبعتها. ومما خلق توازنا واستقرارا على أسعار النفط وساعد في عدم انخفاضها هو الاضطرابات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط والحظر الاقتصادي الذي نفذته أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي على إيران مما خفض كمية انتاجها من (3.48) مليون برميل إلى (2.68) مليون برميل يومياً. قابله زيادة في الكمية المعروضة بمقدار (2.4) مليون برميل يومياً مقارنة مع العام 2011م وذلك بعودة النفط الليبي قريباً من مستويات إنتاجه السابقة عند (1.5) مليون برميل وتجاوز الإنتاج العراقي مستوى (3) مليون برميل. وزيادة مستوى الطلب العالمي على النفط بمقدار (1.1) مليون برميل/يومياً. حيث بلغ متوسط الإنتاج العالمي اليومي للنفط (الكمية المعروضة) (89.87) مليون برميل عام 2012م مقارنة مع (87.4) مليون للعام السابق. ومتوسط الطلب العالمي اليومي (88.85) مليون برميل عام 2012م مقارنة مع (87.75) مليون للعام السابق. وبالتالي كان هناك فائض في المعروض للعام الجاري بمقدار (1.02) مليون برميل يومياً. وتشير البيانات الفعلية للمملكة والمبنية على كل من مؤشرات السوق وتقارير أسواق النفط الشهرية الصادرة من منظمة أوبك (OPEC) لكل من سعر نفط العربي الخفيف وكمية الإنتاج بأن متوسط سعر نفط العربي الخفيف بلغ (110) دولارات للبرميل عام 2012م مقارنة مع (107) دولارات للبرميل للعام السابق بنسبة ارتفاع 2 بالمائة ومتوسط كمية الإنتاج اليومي (9.802) مليون برميل عام 2012م مقارنة مع (9.276) مليون برميل عام 2011م بنسبة ارتفاع 6 بالمائة. ومن هذه المعطيات فمن المتوقع أن تبلغ الإيرادات النفطية للمملكة ما يقارب (1.028) تريليون ريال مشكلة ما نسبته 89 بالمائة من إجمالي الإيرادات الحكومية وبلوغ الإيرادات غير النفطية 11 بالمائة، وتأتي الزيادة في الإيرادات غير النفطية من ارتفاع رسوم الخدمات الحكومية وزيادة إنتاجية القطاعات الأخرى. وعلى ضوء ما سبق من المتوقع أن يبلغ إجمالي الإيرادات الحكومية الفعلية لعام 2012م نحو 1.150 تريليون ريال بزيادة 3.6 بالمائة عن العام الماضي و64 بالمائة عن ما هو مقدر بداية السنة. وأن تصل النفقات الحكومية إلى (800) مليار بزيادة 16 بالمائة عما هو مقدر بداية العام وبانخفاض 0.5 بالمائة عن مصروفات العام الماضي البالغة (804) مليارات ريال وذلك بسبب وجود مصروفات استثنائية خلال العام الماضي تمثلت في صرف راتب شهرين لموظفي الدولة ولجميع طلاب الجامعات والكليات في الداخل والخارج ومستحقي الضمان الاجتماعي ويقابله زيادة في الإنفاق للسنة الجارية على برنامج دعم الباحثين عن عمل (حافز) نتيجة لزيادة عدد الملتحقين في البرنامج. وبالتالي من المتوقع تحقيق فائض في الميزانية قدره (350) مليار ريال. أما التوقعات لميزانية العام القادم 2013م فتشير إلى استمرار الإنفاق على التعليم والصحة والإصلاحات في البني التحتية وأن تكون الإيرادات المتوقعة متحفظة نسبياً مدعومة بالنظرة السلبية للاقتصاد العالمي وتباطؤ نموه ومدى قدره أمريكا على تجاوز ما يعرف بالهاوية المالية (fiscal cliff) وتخفيضها للإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب على الأغنياء. وكذلك مدى تعافي الاقتصاديات الأوروبية من أزمتها. واستمرار تحسن النمو في الصين. ومؤخراً نتائج اجتماع الأوبك والتي أبقت السقف الأعلى لإنتاج المنظمة عند مستوى (30) مليون برميل يومياً مما يعني خفض بعض الحصص الحالية للأعضاء والتي تتجاوز (31) مليون برميل يومياً.