ردود فعل عاصفة من قبل كثير من التجار وأصحاب الأعمال بعد قرار الوزير رفع تكلفة تجديد رخص العمل لتصل لمائتي ريال شهرياً لكل عامل أجنبي. حيث توحدت جهود الغرف التجارية والشخصيات التجارية وبعض المواطنين من أصحاب الأعمال للوقوف في وجه القرار المفاجئ. البعض اعترض على القرار ككل والبعض اعترض على التوقيت، وحذر كثير منهم من الآثار الوخيمة له كارتفاع الأسعار على المستهلكين والإضرار بأصحاب الأعمال الصغيرة وغيرها. وخلال هذا المقال سأحاول تسليط الضوء على تبعات هذا القرار وأهميته والجوانب السلبية والإيجابية له. قبل الحديث عن إيجابيات القرار فإن من أكبر المآخذ على القرار هو الإعلان المفاجئ له، حيث لم يسبق تنفيذ القرار أي إعلانات أو تغطية بقرب صدوره. فقرار من هذا النوع سيؤثر بشكل كبير على قطاعات تعتمد بشكل شبه كامل على اليد العاملة – مثل قطاع المقاولات والصيانة والتشغيل – وهذه المؤسسات والشركات قد تكون ملتزمة بعقود طويلة وستتأثر هوامشها وقد تتعرض لخسائر بسبب القرار، لذلك فمن حق الشركات المتضررة بشكل مباشر وواضح أن يتم تعويضها من قبل الدولة لتجاوز التأثير السلبي لهذه الفترة. السلبية الثانية للقرار هو عدم ربطه بنظام نطاقات، فقد كان من الأولى أن يتم إعفاء من يلتزم بنسب السعودة وتكون منشأته بالنطاق الأخضر من هذه الرسوم، ويمكن فرض مبالغ أعلى – 500 ريال على سبيل المثال – على العمالة للمنشآت الموجودة بالنطاقات الصفراء أو الحمراء. أما الجوانب السلبية التي ستواجه القطاع الخاص والمستهلكين ولا يمكن تجنبها مهما تم تعديل تفاصيل القرار، فهي الخسائر المتوقعة لأصحاب الأعمال الصغيرة أما الجوانب السلبية التي ستواجه القطاع الخاص والمستهلكين ولا يمكن تجنبها مهما تم تعديل تفاصيل القرار، فهي الخسائر المتوقعة لأصحاب الأعمال الصغيرة، فهوامش الربح لكثير من هؤلاء محدودة، واعتمادهم بشكل أساسي هو على توافر العمالة الرخيصة، وللأسف فإن نسبة كبيرة من هذه الأعمال تقوم على التستر، وكثير من الأسر تعتمد في دخلها على ما تجنيه من هذه الأعمال، ولا يمكن أن نلوم الممارسين لهذه الأعمال بشكل كامل، فالمسؤولية تقع على الدولة والوزارات التي غضت الطرف عن هؤلاء لأكثر من ثلاثة عقود، حتى تفشت الظاهرة في كل أنحاء البلاد، هؤلاء سواء من كان يعمل بشكل قانوني أو غير قانوني، يجب أن تستعد الدولة للتعامل معهم ومساعدتهم في هذه المرحلة ووضع برنامج يمكنهم من تجاوز الأزمة التي قد يواجهونها. الأثر السلبي الآخر الذي تم طرحه في الأيام الماضية هو التضخم المتوقع بسبب قرار الرفع، وقد كانت هناك مبالغات كثيرة بهذا الخصوص، فالتضخم الإجمالي للقطاع الخاص لا يمكن أن يتجاوز 2.5% كمعدل بسبب القرار فإجمالي ما سيتم تحصيله من القطاع الخاص لن يتجاوز 15 مليار ريال كأكبر تقدير وبعض التقديرات تشير إلى أنه لن يتجاوز 7 مليارات ريال في مقابل حجم مبيعات للقطاع الخاص يتجاوز 600 مليار ريال، وهذا الارتفاع في التضخم سيكون (لمرة واحدة فقط) وليس ارتفاعاً سنوياً مستمراً–كما أن له فائدة مباشرة وهي رفع نسب السعودة وتقليل الاعتماد على العمالة الرخيصة. في المقابل نحن نواجه تضخماً سنوياً يصل لخمسة في المائة ومصدره الرئيسي ارتفاع أسعار الإسكان – بسبب احتكار الأراضي – والتضخم المستورد للسلع الذي لا يمكننا السيطرة عليه، وهذا التضخم الذي نواجهه سنوياً لا يسهم في حل البطالة بأي شكل من الأشكال بل يزيد من تفاقمها بشكل غير مباشرة. التضخم سيتركز على القطاعات التي تعتمد على اليد العاملة بشكل أساسي، أما أسعار السلع فتكلفة العمالة لا تؤثر عليها، ولن تتسبب الرسوم في ارتفاع أسعار السلع، كما أن التضخم سواء مع هذا القرار أو بدونه أمر لا مفر منه في رحلة التحول من الاعتماد على العمالة الرخيصة إلى العمالة الوطنية الأعلى تكلفة، ولو كان الاختيار بين أسعار رخيصة وبطالة مستشرية بين الشباب وأسعار أعلى مع القضاء على البطالة، فإن الخيار هو الأسعار الأعلى بلا شك. أما الجوانب الإيجابية للقرار فتتمحور حول أهمية رفع تكلفة العمالة الأجنبية لإصلاح سوق العمل المشوه بشدة. أعداد الوافدين سنوياً تتجاوز 1 مليون وافد، ولو سمح بالاستقدام من دون ضوابط فقد يصل الرقم لأكثر من ذلك بكثير، هذا يعني أن الوزارة غير قادرة على تلبية كل الطلب على العمالة الوافدة – وجلها عمالة رخيصة، كما أن عدم قدرة الوزارة على تلبية كل الاحتياج يفتح الباب رضينا أم أبينا لنشوء سوق سوداء ودخول الواسطات والمحسوبيات في اختيار من يستحق أن يستقدم ومن لا يستحق. لذلك فإن رفع التكلفة سيؤدي حتماً لانخفاض الطلب على هذه العمالة، لأن صاحب المنشأة لن يستقدم هذه العمالة إلا اذا كان هناك جدوى اقتصادية حقيقية. وسيتركز استقدام العمالة على القطاعات الأكثر ربحية وإنتاجية بدل أن يكون لعوامل النفوذ والمحسوبية القول الفصل في توجيه العمالة. كما أن قرار رفع تكلفة العمالة الأجنبية سيؤدي لانخفاض نشاطات التستر والمتاجرة بالعمالة، فمن يتاجر بالعمالة ويحصل على مبلغ ثابت ممن استقدمهم – يتراوح بين 300 و 400 ريال – ستتقلص حجم السوق الذي يستوعب هذه العمالة القادرة على دفع هذا المبلغ، لأن هناك مبلغاً شهرياً إضافياً وهو 200 ريال تمت إضافته على التكلفة. نفس الشيء ينطبق على التستر، فهوامش الربح ستتقلص كثيراً على العامل الأجنبي الذي يدفع مبلغاً ثابتاً لصاحب العمل المتستر، وبالتالي فإن كثيراً من هذا المحلات ستغلق أبوابها بسبب عدم جدوى الاستمرار لأن الهوامش في الأصل محدودة. أما أهم إيجابيات القرار فهي تقليص الفجوة بين العامل السعودي والأجنبي، فبالإضافة للمبالغ التي يدفعها صندوق التنمية البشرية للمنشآت لتقليل تكلفة توظيف المواطن، فإن رفع تكلفة رخص العمالة ستكون عاملاً جديداً لزيادة جاذبية توظيف المواطنين. ختاماً أتمنى ألا يتم التراجع عن هذا القرار بسبب الضغوطات، فالإصلاحات الاقتصادية بطبيعتها مؤلمة في كثير من الأحيان، وسوق العمل والبطالة – التي تعتبر أحد أخطر المشاكل التي نواجهها، لا يمكن أن تحل من دون بعض المعاناة على المدى القصير، هذه المعاناة ستطال الجميع، حكومة وأصحاب أعمال ومواطنين، فهوامش أرباح أصحاب الأعمال ستتقلص، والأسعار قد ترتفع على المستهليكن، ولكن هذه المعاناة شر لا بد حتى نتجنب الأسوأ في المستقبل، فالآثار السلبية الحالية لقرارات كهذا من السهل التعامل معها مع وجودة وفرة مالية بسبب ارتفاع مداخيل النفط، ولكن التعامل مع نفس المشاكل في المستقبل سيكون أصعب بكثير وقد يؤدي تأجيل القرارات إلى مشاكل غير قابلة للحل بعد خمس أو عشر سنوات، مشاكل قد تشكل تهديداً حقيقياً على استقرار الوطن وعندها سيخسر الجميع. Twitter:@essamz