تتكالب عدة عوامل ضد تملك السعوديين مساكن خاصة، وفيما يشبه المستحيل فإن أمر الحصول على مسكن بات أكثر صعوبة أمام ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء وأجور العمالة، ما ينذر بتفاقم أزمة إسكانية في السعودية ذات إفرازات خطيرة. وأثارت التغيرات السعرية الأخيرة والتي كان أهمها بدء موزعي حديد شركة سابك تطبيق التسعيرة الجديدة في الأسواق السعودية بزيادة 825ريالاً للطن الواحد ليلامس سقف 4195ريال للطن احتمالية تباطؤ في النمو العمراني، خاصة في الإسكان المتوسط ومنخفض التكاليف، ما ينعكس سلباً على السوق العقاري بارتفاع قيمة الشراء وتكلفة الإيجارات السنوية والتي واصلت بدورها مسلسل صعود قيمتها إلى أسعار خيالية وصولا الى رفع معدلات التضخم الى أعلى مما هي عليه حالياً في ظل محدودية العرض في الوقت الحالي التي يقابلها زيادة كبيرة في الطلب. وتعالت الأصوات في المجالس العقارية، محذرة من تهاون الجهات المعنية في إيجاد حلول للقضية الإسكانية وعدم المراهنة على عاملي الوقت والصدفة لعلاجها، وتأكيدهم على أن إدارة الأزمة الإسكانية التي تشهدها البلاد في الفترة الحالية هي مسئولية مشتركه بين القطاعين العام والخاص. وأكد هؤلاء ضرورة عمل القطاع العام (الحكومي) لتطوير التنظيمات والتشريعات الإسكانية لتحقيق هدف مسكن لكل أسرة بمشاركة القطاع الخاص، وتنسيق العلاقة بينهما بما يكفل تقصير مدة الإجراءات. وأكدت البيانات السوقية للقطاع العقاري السعودي تحذيرات التي أطلقها عقاريون والتي قدرت حجم الاستثمارات المطلوبة في القطاع العقاري المحلي بنحو 5.6مليارات ريال حتى العام 2020وذلك لإنشاء ما يزيد على 3ر 2مليون وحدة سكنية جديدة، بمعدل 145ألف وحدة جديدة كل عام، باستثمارات تقارب 65مليار ريال سنوياً. وتخوف عقاريون من تفاقم الأزمة الإسكانية خلال الفترة القريبة المقبلة، خصوصا مع تزايد الإقبال من جانب السعوديين، سواء من الموظفين أو الطلاب وكذلك الوافدين من الأجانب، على الإقامة فيها. كذلك بسبب هجرة الكثير من مواطني القرى والمحافظات والمدن الصغيرة وتوجههم إلى المدن، ما سيسبب أزمة سكن فعلا. وما يعزز فرضية حصول المواطنين على مساكن خاصة في ظل الأوضاع الحالية للعقار ما أوردته وزارة الاقتصاد والتخطيط بأن نسبة الأسر السعودية التي تملك مساكن خاصة بها تبلغ 62في المائة، وفقا لنتائج البحث الديمغرافي الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة خلال النصف الأول من عام 2007.وأكدت وزارة الاقتصاد والتخطيط في خطة التنمية الثامنة (2005-2009م) ارتفاع نسبة متوسط تكلفة إيجار المسكن إلى متوسط دخل الأسرة في المملكة من 26في المائة خلال خطة التنمية السادسة إلى 30في المائة خلال خطة التنمية السابعة. وقالت الوزارة في خطتها الثامنة أنه يوجد مواطنون لا تمكنهم إمكاناتهم من تأمين مساكن خاصة بهم، بدءاً من شراء الأرض وانتهاءً بتوفير المبالغ اللازمة لبناء المسكن. ويزداد الأمر صعوبة - بحسب الخطة - لهذه الشريحة من المواطنين نتيجة استمرار ارتفاع أسعار الأراضي وانخفاض مساحة الأراضي السكنية المتاحة ضمن النطاق العمراني للمدن، إضافة إلى انخفاض حجم المعروض من المساكن الواقعة في متناول القدرات المالية للأفراد. هذا في الوقت الذي يستمر فيه انخفاض عدد المساكن التي توفرها بعض الجهات الحكومية، بالإضافة إلى عدم مواكبة التمويل المتاح للطلب على قروض صندوق التنمية العقارية. وطالبت الوزارة بضرورة إزالة العقبات التي تحد من قيام المصارف التجارية والشركات الخاصة بتوفير التمويل طويل الأجل للإسكان بشروط تعاقدية ميسرة، واعتماد آليات وضوابط يمكن في إطارها ضمان حقوق الأطراف المتعاقدة. إضافة إلى التوسع في برامج الإسكان التعاوني، والادخار الإسكاني مع العمل على إصدار الأنظمة المساندة مثل نظام الرهن العقاري، ونظام البيع بالتقسيط والتأجير المنتهي بالتمليك، ومعالجة إشكاليات الأراضي البيضاء، خاصة ذات المساحات الكبيرة منها، والاستفادة من التجارب العالمية في هذه المجالات. وأرجع الخبير العقاري حمد بن محمد بن سعيدان رئيس مجلس إدارة شركة حمد بن سعيدان للاستثمار العقاري الارتفاع في أسعار الأراضي إلى عملية العرض والطلب التي يشهدها السوق المحلي، وتحميل المستثمر مالك المخطط تنفيذ جميع الخدمات من زفلتة وإنارة وصرف صحي وحدائق، ما ينعكس في النهاية على المستهلك الأخير بارتفاع سعر المتر. وطالبا بن سعيدان "بدعم الشركات العقارية وتسهيل الإجراءات أمامها، وطرح منتجات تمويلية من قبل البنوك المحلية للأفراد تكون طويلة الأجل وبنسب ربحية قليلة، وتسهيل الأنظمة وقتل البيروقراطية الموجودة في بعض الجهات الحكومية، إضافة لتفعيل نظام الرهن العقاري. وزاد بمطالبته بزيادة السماح بالاستعمالات الأراضي وذلك من خلال السماح بتعدد الأدوار، مؤكداً أنه في حالة السماح سيساهم في حل الأزمة الإسكانية على مستوى الشقق السكنية، وتخفيض أسعار الأراضي والإيجارات. ومن جانبه، عزا الدكتور فرحات الطاشكندي عضو المجلس البلدي في منطقة الرياض الأستاذ المشارك في قسم العمارة وعلوم البناء في كلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود، إلى النهضة العمرانية التي تشهدها المملكة والتي رفعت الطلب على منتجات مواد البناء مع بقاء حجم الاستيراد والإنتاج ثابتا الأمر الذي ساهم في ظهور مشكلة نقص المعروض، إضافة إلى ذكره إلى أن الارتفاع في المواد الخام وزيادة معدل استهلاك العالمي وضعف الدولار، كلها أسباب إضافية أدت إلى زيادة الأسعار بشكل كبير - على حد قوله -. مؤكداً أن أول الحلول يكمن في البحث عن المشكلة وذلك بعمل الجهات المعينة دراسة على السوق المحلي، مطالباً بضرورة أن يكون هناك تحرك من قبل وزارة التجارة والغرف الصناعة ولجنة حماية المستهلك وذلك بالتدخل الفوري والسريع لمراقبة الأسعار والحد منها بشكل سريع ومؤثر حتى تسير الحركة العمرانية على ما يرام، مؤكدا انه لو لم تتدخل الجهات المسؤولة فلن تتوقف موجة ارتفاع أسعار مواد البناء. وأكد الطاشكندي أن مشكلة ارتفاع الأسعار ستنعكس سلباً وذلك بصعود كافة الأسعار الأخرى المتعلقة بالعقارات مثل ارتفاع أجور تنفيذ شركات المقاولات للمشاريع وبالتالي ارتفاع قيمة الشراء للمساكن وتكلفة الإيجارات السنوية لها. وفي موضوع ذي صلة، ذكرت تقارير سابقة أن العقارات في السعودية، خاصة في المدن الرئيسية تعاني من التضخم في الأسعار، مما يصعب على شريحة كبيرة من المستهلكين إمكانية شراء ارض لبناء مساكن أو مبان استثمارية داخل المدينة. وكانت قد أظهرت دراسة تعطل 40في المائة من المشروعات العقارية بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء. وأوضحت الدراسة التي أعدتها شركة وهج الخليج للاستثمارات العقارية السعودية أن عددا كبيرا من تلك المشروعات والتي تعود للقطاع الخاص تعطل بسبب اختلاف العقود بين المالك والمقاول. وأشارت إلى أن تلك العقود قد أبرمت قبل بداية أزمة ارتفاع الأسعار، وحين اختلفت التكلفة مني المقاولون بخسائر كبيرة، وهو ما دفعهم للمطالبة بتغيير العقود المبرمة بشكل يتناسب مع التغيرات السعرية التي يشهدها القطاع. وشهدت أسعار الحديد والنحاس والأنابيب المعدنية والبلاستيكية ارتفاعات متفاوتة وصلت إلى 50بالمائة في حالات عدة. وقدرت دراسة أخرى عدد المشروعات العقارية في السعودية بما يزيد على 1030مشروعا، وقدرت قيمة تلك المشاريع بحسب الدراسة التي أعدتها شركة "بروليدز" الاستثمارية بما يتجاوز عن 1.1تريليون دولار. وقال تقرير شركة المزايا أن التضخم بات من أبرز القضايا التي تشغل بال الساسة وصناع القرار في دول الخليج بعد أن تصاعدت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية خلال الأعوام الثلاثة الماضية مع توقعات باستمرار تحقيق معدلات مرتفعة في الشهور المقبلة نتيجة لعوامل داخلية وخارجية. وبين التقرير أن ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الأولية الخام والسلع والخدمات بالتأثير المباشر سيكون لها دور كبير في وضع ضغوط على مستويات الأسعار والتضخم في المنطقة، والدخول في حلقة مفرغة من العوامل المترابطة التي سيكون لها أثر مضاعف على التضخم. ففي أميركا، رصد اتحاد العمال إلى ان أسعار مواد البناء ارتفعت إلى أكثر من ضعف معدل التضخم ومن المتوقع أن ترتفع بما بين 6و8% سنويا بحلول نهاية عام 2008بالمقارنة مع معدلها في 2007بمعدل أقل من 3%، مدفوعة بارتفاع أسعار وقود الديزل والحديد والصلب وباقي المواد الأولية، عدا عن الارتفاع في العمالة والمقدر بنحو 5بالمائة فوق مستويات التضخم سنويا، حيث من المتوقع أن ترتفع تكاليف الإنشاءات في الولاياتالمتحدة بما فيها تكلفة العمل بمعدل أسرع من التضخم في الأعوام المقبلة وخاصة فور انتعاش قطاع بناء المنازل من جديد بحسب اتحاد المقاولين الأميركيين. ولفت الاتحاد إلى ان أسعار مواد البناء في الولاياتالمتحدة ارتفعت إلى أكثر من ضعف معدل التضخم ومن المتوقع أن ترتفع بما بين 6و8% سنويا بحلول نهاية عام 2008بالمقارنة مع ارتفاعها في 2007بمعدل أقل من 3%. وتوقع أيضاً أن تتقلص أعمال اكبر في القطاع خاصة في المشروعات العامة التي تنقصها المرونة في زيادة التمويل، آملاً أن تكون الزيادة تدريجية وان تصبح الجهات الحكومية أكثر واقعية بشأن تحديد التمويل في قطاع الإنشاءات الذي ترتفع تكاليفه. ولاحظ التقرير أن الارتفاعات المتوالية في أسعار مواد البناء يوازيها ويصاحبها ارتفاع مستمر في أسعار المحروقات وخصوصا الديزل، حيث أصبح المقاولون يحتاطون لارتفاعات الأسعار بتخصيصات سعرية رفعت من أسعار المقاولات. وقال التقرير إن الارتفاع المتواصل في أسعار المحروقات، والذي يتبع ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته عالميا، شكل تحديا كبيرا أمام المقاولين والشركات العاملة في قطاع الإنشاء والتشييد في الخليج وباقي دول المنطقة، ما أدى إلى تقليص الهوامش الربحية وتآكلها للبعض وتحقيق خسائر بالنسبة للبعض الآخر. ما دفع المقاولين إلى اعتماد آلية جديدة في التسعير تعتمد على التحوط لعوامل غير محسوبة بما يصل إلى 5بالمائة من قيمة العقد، وبالتالي التأثير على أسعار المنتج النهائي إذا ما تمت إضافة التكاليف الزائدة الأخرى. يشار إلى أنه قد أكدت أحدث الدراسات الاقتصادية أن سوق مواد البناء والمقاولات في السعودية شهدت نسبة ارتفاع منذ مطلع العام الحالي بنحو 7في المائة، فيما قدرت حجم أعمال قطاع المقاولات، الذي يعد أكبر نشاط اقتصادي بعد النفط، بما يزيد على 75مليار ريال، بزيادة نسبتها 35في المائة عما تحقق خلال العام الماضي، المقدر بنحو 57مليار ريال وشكلت مساهمة القطاع العام نسبة 60في المائة من حجم هذه الاستثمارات، ونسبة 40في المائة هي مساهمة القطاع الخاص، ويتميز بارتباطه بالقطاعات الاقتصادية المختلفة وهو ثاني أكبر القطاعات بعد النفط إذ تبلغ مساهمته أكثر من 16في المائة وهو أكبر مستخدم للعمالة في المملكة. يتركز اغلبها في المباني العامة والتي تمثل أكثر من 43في المائة ثم التشغيل والصيانة والتي تشكل حوالي 25في المائة وهناك ما يقرب من 25نشاطا مستقلا تمثل حوالي 17في المائة والباقي موزع على الطرق وأعمال الكهرباء ونظافة المدن وتركز معظم شركات المقاولات السعودية في المنطقة الشرقية التي تحظى بأكثر من 30في المائة ثم جدة بحوالي 20في المائة ثم الرياض وحصتها 15في المائة من إجمالي عدد الشركات بالمملكة يأتي بعدها المنطقة الغربية وتستحوذ القصيم على ما نسبته 12في المائة ثم المدينةالمنورة بنسبة 6في المائة والنسبة الباقية على جازان وباقي مناطق المملكة.