دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى تحكيم العقل وتهدئة الأمور وإحكام العقل في التعامل مع العدوان الإسرائيلي على غزة، هي دعوة للتفكير مليًّا في معالجة الموقف بعيدًا عن الانفعال العاطفي الذي، دائمًا، تخطط إسرائيل لتأجيجه واستثماره لصالح عدوانها، خاصة أن أصواتًا مريبة تحاول تأجيج العواطف العربية للضغط على العواصم العربية من أجل اتخاذ مواقف انفعالية غير مدروسة وارتكاب مغامرات ستصبّ حتمًا في صالح إسرائيل. ويُخطط الإسرائيليون، في كل اعتداءاتهم، لإثارة العواطف العربية كي يقلبوا المواقف لصالحهم على المسرح الدولي. ودائمًا الانفعالية العربية واتخاذ ردود فعل سريعة هي الحليف الأقوى لجميع الاعتداءات الإسرائيلية تقريبًا، وعلى مدى عقود. وإذا كان يجب التفكير مليًّا في ردود الفعل على الاعتداءات الإسرائيلية، فإن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة يتعيّن أن يوضع تحت المجهر ويفحص بدقة قبل اتخاذ أي قرار عربي بمواجهته. لأن العدوان الأخير غامض سببًا وهدفًا، وجاء مفاجئًا وعصبيًا إلى أبعد حد. وقد يكون الهدف منه توريط مصر والدول العربية الكبرى أو اختبار ردود فعلها، أو ربما يهدف إلى سحب الأضواء من الثورة السورية وفرحة تشكيل الائتلاف الوطني السوري، لإعطاء نظام الأسد ورعاته ومسانيده الوقت لتنفيذ مخططاتهم لقمع الشعب السوري وإجهاض ثورته المباركة. خاصة أن إسرائيل تضغط على الثورة السورية، وتمارس ابتزازًا من خلف الستار للشعب السوري، لأن نظام الأسد، باسم مقاومة الصهيونية، قد أهدى إسرائيل 40 عامًا من السلام التام في الجولان. ولا ترى إسرائيل أنه يمكن لثوار سوريا أن يعوّضوها عن هذه الهدية الثمينة في حال سقوط نظام الأسد. والمريب أيضًا أن العدوان الإسرائيلي يأتي في سياق التهديدات الإيرانية ورعاة النظام السوري بأن المنطقة كلها سوف تشتعل إذا سقط نظام الأسد. وكان تشكيل الائتلاف الوطني السوري هو الخطوة المتقدّمة الجديدة التي تنجزها الثورة السورية في خُططها لإسقاط نظام الأسد. وبعد هذا الإنجاز النوعي للثورة السورية بثلاثة أيام قررت إسرائيل شن عدوان على غزة، بأعذار واهية وغير مقبولة ولا تستدعي كل هذه الحملة الدموية على مدينة مكتظة بالسكان. ويبدو واضحًا أن إعلان الائتلاف الوطني السوري قد أشعل النيران في ملابس القادة الإسرائيليين وشعروا بأنهم مقبلون على استحقاق تاريخي جديد ونظام وطني في سوريا دفع أزكى الدماء من أجل تحصيل حقوقه وتقرير مصيره وإنجاز استقلال حقيقي لسوريا وحماية سيادتها وأرضها وكرامتها. ولهذه الأسباب مجتمعة يتعيّن أن يكون الرد العربي على عدوان غزة حكيمًا ومكينًا يحرم إسرائيل من أن تحقق أهدافها العدوانية. إذ لا يبدو أن تدمير منازل في غزة ولا قتل الفلسطينيين هو الهدف، والهدف بكل وضوح هو إحراج الدول العربية المشغولة على جبهات عديدة. والعدوان هو أيضًا «فزعة» لنظام الأسد بعد أن ضاقت به السُّبل وفشلت مناوراته وبدأ يتصرف بنفس السلوكية الإجرامية لنظام بنيامين نتنياهو.