سيكون من الصعب على من يزور مدينة اسطنبول لأول مرة مثلي ألا يقع في حبها. إنها مدينة ساحرة تتمتع بفرادة جمالية ومكانة تاريخية لا تضاهيها فيها إلا حفنة قليلة من مدن العالم حتى إن أحدهم قال ما معناه : لو كان العالم مدينة واحدة لكانت اسطنبول حتماً هي عاصمتها، ولا يمثل موقع المدينة الجغرافي الفريد الذي يضعها على التخوم ما بين قارتين عريقتين هما آسيا وأوروبا إلا بعداً واحداً من أبعاد ذلك التفرد. الطريف في الأمر أن التعايش في هذه المدينة العريقة لا يقتصر على البشر وحدهم، بل يمتد ليشمل الحيوانات أيضا، إذ سيلفت نظرك حتماً في كل مكان تقريباً الكلاب التي تتسكع في الشوارع أو تستلقي في النواصي وعند إشارات المرور . تشكل اسطنبول بموقعها الفريد هذا نقطة التقاء لثقافات وحضارات وأديان مختلفة، وتشكل نموذجاً للتعايش والتقارب والاندماج ما بين تلك الحضارات التي تعاقبت عليها على مدى قرون طويلة من عمر هذه المدينة المديد، والطريف في الأمر أن التعايش في هذه المدينة العريقة لا يقتصر على البشر وحدهم، بل يمتد ليشمل الحيوانات أيضا، إذ سيلفت نظرك حتماً في كل مكان تقريباً الكلاب التي تتسكع في الشوارع أو تستلقي في النواصي وعند إشارات المرور وسط العابرين الكثر الذين يبدو واضحاً أنهم قد ألفوا وجودها ما بينهم؛ فما من أحد ينهرها أو ينفرها بقول أو بفعل. كما سيدهشك «التعايش السلمي» ما بين كلابها وقططها الكثيرة بخلاف الصورة التقليدية التي رسخت في أذهاننا عن علاقة العداء المقيم بين هذين الحيوانين. ومما يلفت النظر بشكل واضح أيضاً أن أهل اسطنبول بخلاف الانطباع السائد عن سكان المدن الكبيرة في غاية اللطف في تعاملهم مع الغرباء الذين لابد أن يضلوا وجهتهم بين الحين والآخر في متاهة المدينة الكوزمبوليتية التي تطرز زرقة سمائها نوارسها البيضاء التي لا تكف عن التحليق في أجوائها الفسيحة. ليس من المستغرب أن تكون اسطنبول مدينة ملهمة للكثير من الكتاب والشعراء والفنانين، سواء من كانوا من أهلها أو من العابرين فيها كالعديد من الكتاب والفنانين الغربيين الذين ضعفوا أمام سحر تأثيرها عليهم حتى قال الروائي الفرنسي المعروف فلوبير : على المرء أن يمكث على الأقل ستة أشهر في اسطنبول. كما ينقل عنه أحد أبناء اسطنبول العاشقين لها والمولعين بها، الروائي التركي أورهان باموق في كتابه ( اسطنبول : الذكريات والمدينة ) الذي سبق لي أن قرأته قبل بضع سنوات، الذي تراودني رغبة ملحة في أن أعيد قراءته مرة أخرى، لأن متعتي بما سأقرؤه هذه المرة ستكون مضاعفة على الأرجح.