شرع ديننا الحنيف نسك ذبح الأضاحي تقرباً لله عز وجل وتنقية لنفوسنا وتخفيفاً لذنوبنا.. وفي هذا النسك نحن نذبح «بهيمة الأنعام» التي تسري دماؤها محملة بالخير وتأتي يوم الموقف العظيم لتشهد هذه الأنعام للمضحين فضل أعمالهم... وفي مؤسساتنا أيضاً نطبق هذا النسك ولكن على طريقتنا الخاصة حيث نضحي ببعضنا البعض ونحد السكاكين ولا نتوانى في تبادل الطعنات المميتة. فبيئات العمل العربية تشهد معدلات مرتفعة من الصراعات والمناوشات وهي معدلات تفوق المعدلات الطبيعية والمطلوبة في كثير من الأحيان، فالصراعات والمنافسة ترتبط بطباعنا البشرية ويصعب القضاء عليها بشكل كامل ولكن المشكلة أو الكارثة تحدث عندما ترتفع حدة هذه الصراعات لتسيطر على مناخ العمل في المؤسسة وتقودها سلوكيات غير أخلاقية تعصف بالمؤسسة ومن فيها. وبالطبع هناك مسببات متعددة لارتفاع حدة الصراعات منها ما يرتبط بفقدان التنظيم الجيد وغياب دستور العمل المنظم للعلاقات بين الأفراد والادارات وكذلك عدم الاهتمام ببناء ثقافة ايجابية تظهر في معتقدات وأفكار وسلوكيات العاملين بالمؤسسة، ويظل السبب الأهم من وجهة نظري المتواضعة هو أن ذلك يحدث نتيجة غياب الوازع الديني وانتشار قيم أخلاقية متدنية للغاية في مجتمعاتنا العربية بصفة عامة وما ينطبق على الكل (المجتمع) ينطبق على الجزء (المؤسسة). يضحي الموظف بقدراته وامكانياته عندما يقبل العمل مرغماً في وظيفة لا تتناسب مع مؤهلاته ومواهبه وتفضيلاته.. وفي الأساس ستجد أن النظام التعليمي ذبح هذا الموظف منذ بدايته عندما أجبره على الدخول في مسار دراسي بعيد تماماً عن امكانياته ورغباته الشخصية ولكن في كل الأحوال نستطيع أن نرى بعيوننا دماء الأضاحي في مؤسساتنا وهي تسيل بلا رادع أو مانع، والأضحية في مؤسساتنا لها صور متعددة: - يضحي الموظف بقدراته وامكانياته عندما يقبل العمل مرغماً في وظيفة لا تتناسب مع مؤهلاته ومواهبه وتفضيلاته.. وفي الأساس ستجد أن النظام التعليمي ذبح هذا الموظف منذ بدايته عندما أجبره على الدخول في مسار دراسي بعيد تماماً عن امكانياته ورغباته الشخصية. - يضحي الموظف بزميله عندما يتعمد ايذاءه بالافتراء والأكاذيب طمعاً في تقرب لمدير أو سعياً لمنصب أو تنفيثاً لأحقاد ويسيل دم الزميل في كل لحظة يستجيب فيها الآخرون لتلك السلوكيات المشينة. - يضحي نظام العمل المؤسسي بالموظفين عندما يجبرهم على العمل المستمر تحت ضغوط شديدة تستنزف طاقاتهم وعقولهم وأجسادهم ليتحولوا بمرور الوقت إلى أشباح موظفين.. هذا ان استمروا على قيد الحياة. - تضحي كل ادارة في المؤسسة بالادارة الأخرى عندما تحجم عن التعاون معها وتتعمد عدم تلبية احتياجاتها في الوقت الذي تطبق فيه الشركات العالمية مفهوم العميل الداخلي حيث كل ادارة هي في الأساس عميل للادارة الأخرى. - يضحي الموظف بمؤسسته عندما يفضل مصلحته الشخصية على مصلحة المؤسسة بأكملها ولا يتوانى في السرقة أو الغش أو التزوير. - يضحي المدير بالموظف عندما يبخسه حقه أو على أقل تقدير لا يقيم أداءه بموضوعية ويقدم عليه من هو أقل منه أداء وانجازاً لمصلحة شخصية أو منافع متبادلة. - يضحي الموظفون بالمدير عندما يتعمدون وضع العراقيل أمامه ويعارضون بجهل وسوء تقدير أي محاولة للتغيير أو التطوير. - تضحي المؤسسة بعملائها عندما تهمل في معرفة احتياجاتهم ومقترحاتهم وتغض البصر عن مشكلاتهم ومتاعبهم. في كل عيد يتبادل الجميع داخل المؤسسة التهاني والتبريكات وبعدها يبدأ الجميع أو البعض في سن السكاكين ..!! [email protected]