لو أردنا تحديد العنصر الأقوى والأكثر شيوعا لسلوكيات تدمير الذات فهو الخوف؛ فالدافع وراء القيام بأي فعل مدمر للذات كثيرا ما يكون القلق الذي يفوق الاحتمال، في الحياة المعاصرة بخياراتها التي تزيد من شعورنا بالضغط والتشتت، فعندما نكون قلقين نفقد التواصل مع الجزء الخاص بالحكمة الموجود في الدماغ، ونتصرف على عجل وكثيرا ما نندم، وفي بعض الأحيان نكرر سيناريوهات هزيمة الذات بسبب الرغبة في السيطرة المؤقتة على هذا الخوف العميق، ويبدو تفسير ذلك وكأننا نعيش في حالة تشاؤم مستمرة تتزايد حدتها بدرجة كبيرة، مما يجعلنا نستحث الموقف السيئ سعيا لإزاحة القلق عن كاهلنا، وهكذا ابتدعت الكثير من العادات السيئة بهدف إبقائنا مخدرين غير واعين بهذا النوع من الخوف، أو لحصره في شيء آخر يمكننا تدبر أمره، ولو أنك تعيش حياتك منجرفا مع أمواج ما حولك ولا تتوقف أبدا لاتخاذ قرارات مهمة بشأن مستقبلك، فالخوف اللاواعي هو الدافع وراء ذلك السلوك التدميري، حيث تصبح المشكلة هي الخوف من مواجهة الخوف، ومحاولة تجنبه بأي شيء. ونحن نستخدم أحيانا تعبير الخوف من النجاح كبديل مخفف لمخاوف أكثر عمقا تكون هي الدافع الحقيقي لإعاقة أنفسنا، كالخوف من الحرية والسعادة والمسؤولية، أو الخوف من الخروج من نطاق أماكننا والمخاطرة لتحدي أنفسنا، وربما نخاف أن نطلق لأنفسنا العنان لنستغل الفرص ونسيطر على مسارات حياتنا، وربما نكون خائفين من تجارب جديدة ونشعر بأن معاييرنا للنجاح ترقى لمرتبة المستحيل، وتتزايد المخاوف مما يترجم القلق الذي يشعر به غالبيتنا حيال العيش في عالم اليوم، وبات العديد يكرر قناعات تدور حول أن العالم لم يعد آمنا كما كان، ولسنا مجهزين بما يكفي للعيش بأمان. يحدث ذلك حين تكون معاييرنا مثالية جدا، ولا نستطيع قبول أنفسنا والتصالح معها، فنغالي في إلقاء اللوم كثيرا، ونجعل مشاعرنا أكثر بؤسا، فيزداد الخوف من المواجهة، ثم نستخدم الدفاع التبريري بطرق غير فعالة، مكررين الدائرة نفسها وتظل دفاعاتنا الجبانة في حالة تأهب مستمر، فنخدع ذواتنا ونستمر في التسويف ووعود الإصلاح التي تشعرنا براحة لحظية، ويتطور الناقد الداخلي الذي يتعارك مع دفاعاتنا، وجاهز دوما للومنا، متحدثا إلينا عن فشلنا الميؤوس منه، ويستمر الحوار بين الناقد والجبان وكأننا في طائرة تترنح بين نزاع قائديها، فهي تتخبط في السماء وتواجه خطر التحطم، مما يجعلنا نبدأ البحث الواعي عن ربان حكيم هادئ واسع الحيلة ليتقدم ويتولى القيادة، وهو حاضر دوما في جنباتنا إذا توقفنا عن الخداع وطرحنا السؤال بشجاعة.