من عادتي، وأكثر الناس هكذا، إذا بدأتُ قراءة كتاب أن أضع «ماقف» عبارة عن ورقة أو ريشة في الصفحة التي توقفتُ عندها ليسهل لي العودة إلى الصفحة التي توقفتُ عندها. و«الماقف» هذا ظاهرة متعارف عليها عند كل قارئ. وذات مرة أحضرت لي ابنتى «ماقف» من لندن!، ضمن الهدايا الأخرى التى اعتاد السياح أن يجدوها في الدكاكين الصغيرة التي تبيع الهدايا التذكارية (السوفينير)، وعلى وجه «الماقف» برج لندن وعلى الوجه الآخر بناية البرلمان وساعة بيج بن. وقد صُنع من جلد العجل الأصلي وهذا أوحى إليّ أنه أي الماقف مستعمل ومطلوب رغم عصر الكتاب الإلكتروني E-books. إلا في كتاب الصديق د. عبدالرحمن الصالح الشبيلي الأخير «مشيناها.. حكايات ذات» فلم أجد مجالا لاستعمال «الماقف» اللندني. فقد بذلتُ جهدا أن أُواصل القراءة ما استطعت، لأن أولهُ يشبه السامري الذي لا يجيده ولا يستعذبه إلا من كانت مدينة عنيزةمسقط رأسه. فالكتاب، لنقل الجزء الكبير منه عبارة عن لوحة رائعة فيها إتقان كل الألوان والظل. تلك اللوحة فيها أيضا الجانب الإنساني يموج بكل ما أنتجه فكر هذا المغرم الدائم بالتحصيل والعطاء. فيه شيء عن الطفولة والأسر والعادات والتقاليد والقبب والطير والشجر و«الحوابيط» (الواحد منها حابوط وهو بركة ماء تُسال من مزرعة إلى الشارع لخدمة العابرين). أنا ممن عايشوا رحلة هذا الرجل وأعلم أن كتابه الجديد هذا فيه دقائق رحلته كمذيع وكأستاذ جامعة، كعضو مجلس شورى وكاتب ضليع، وقبل ذلك كإنسان ووطنيّ. واتّسم اللقاء الثقافي الشهري الذي عقدته مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض أخيرا حول الكتاب بالثراء وتنوع الآراء، ووفرة المداخلات والنقاشات التي دارت حول قضايا ثقافية وإعلامية وأدبية متنوعة، حيث عقدت المكتبة ضمن نشاطها الثقافي «كتاب الشهر» لقاء لمناقشة هذا الكتاب بقراءة من الدكتور سعود السرحان. لاحظتُ أن المطبوع لقي من الصحافة السعودية والخليجية مراجعة جادة وبأقلام مقروءة. قرأتُ المراجعات للكتاب، وكذا التحليلات، وأراني مُلزما بالقول إن من الإنصاف أن أتطرّق إلى خصلة لم أرها في مراجعة المطبوع. هذه الخصلة رأيتها شخصيا في الدكتور عبدالرحمن، وهي أنه يتمتع بسلوك أخلاقي رآه جزءا من خصال الأديب. هذه الخصلة هي كون المؤلف يحمل الورد للأيدي التى حملت له السهام، وقد كان الجحود والإنكار والحسد سمة من سمات المرحلة، قصدي المرحلة التي طرقها الدكتور عبدالرحمن.