ظل الكتاب الورقي هو الصديق الوفيّ لمختلف الحضارات والمجتمعات؛ لما يُشكّله من حميمية تربط القلوب والأفئدة التي نشأت وترعرعت على ثقافة حب المكتوب على الورق وقراءته بشغف، حتى حان موعد ميلاد الكتب الإلكترونية التي تم تحرير شهادة مولدها في العام 1971م إيذانًا ببدء الحرب الباردة بين الكتاب المطبوع والإلكتروني، وذلك على يد رائد الكتاب الإلكتروني «مايكل هارت» فيما سمي بمشروع جوتنبرغ.. وكان ذلك ضمن النماذج المقدّمة من شركة (بارك) كاقتراحات للحاسب المحمول Dyna Book وهي أوائل الحاسبات التي تقرأ الكتب الإلكترونية، ثم بعد تعميم الإنترنت على الجمهور في عصر المعلوماتية في التسعينيات الميلادية انتشرت الكتب الإلكترونية؛ حتى ظهر المولود الآخر كأول قارئ للكتب الإلكترونية The Rocket Reader الذي قدمته شركة Soft Book Press وجاء بعد ذلك Microsoft Reader ومن ثم التحميل للكتب الإلكترونية عام 2003م في عدد من دور النشر، ولي تجربة شخصية مع ناشر الكتب الإلكتروني I Universe في أمريكا لنشر كتابي باللغة الإنجليزية، أكدت أننا إزاء آليات جديرة بالتجربة تخرج عن تقليدية ما ألفناه، لذلك أستطيع القول إن المنافسة قد صارت على أشدّها بين الكتاب المطبوع والإلكتروني.. فهل نرى قريبًا معارض كتب إلكترونية تُخفِّف من حدّة المنافسة والغلو في أسعار إيجارات معارض الكتب الورقية؛ والمساحات التي تحتلها لعرض كتبها؛ وتتكبد مصاريف باهظة لشحن الكتب وتسديد رسوم إيجاراتها في المعارض الدولية وإعادة الشحن؛ فضلًا عن منعها من البيع مما يكبّدها خسائر أحيانًا؟! أستطيع القول من واقع خبرتي أن هناك معاناة لدى دور النشر في هذا الصدد.. فماذا لو استعيض عن الوجود الفعلي للكتب الورقية بالعرض الإلكتروني.. وزحف المدّ الإلكتروني واحتل جانبًا كبيرًا من اهتمامات القراء والقارئات؟! كل ذلك وارد في خضم هذا التسارع التقني في العالم الرقمي الحديث.. ولقد اطّلعت على ميزات عالم الكتب الإلكترونية على الإنترنت، ورأيت إمكانية التصفح السريع وتقليب الصفحات مقارنة بتطبيقات الكتب الإلكترونية السابقة مثل (Curl Effect) مع وجود أداة لإضافة العلامات المرجعية على الصفحات Book Marks فضلًا عن إمكانية تغيير لون الخلفية ومستوى السطوع وحجم الخط وكذلك إضافة ملاحظات على الصفحات (Notes) وتحديد أجزاء معينة من النص بألوان مختلفة Markers إلا أن وجود الإمكانية لتحميل المتصفح القارئ للكتاب الإلكتروني أو جزء منه قبل الشراء يشكّل عيبًا يخيف المؤلفين وأصحاب الحقوق، إذ أنه يمكن تصوير كتبهم من قبل من يشتري، أو تحويل روابط الكتب وإمكانية فك شفرات تأمينها، مما يضيّع الحقوق فتتوزّع مسؤوليات سرقتها بين المواقع، ومن ذا الذي يعيدها لأصحابها بعد ذلك؟! ورغم تلك المحاذير وخطورتها إلا أن ما توفره المواقع الإلكترونية للكتب من مزايا وانتشار يغري الكثير من الكتاب والمؤلفين، فهناك صفحة تعريفية للمؤلف (BIO) بالإضافة إلى وجود إمكانيات لتوفير الكتب السمعية Audio Book والكتب التفاعلية Interactive Books وما فيها من حركة ومؤثرات وتفاعل، كل ذلك يحتّم على وزارات الثقافة والإعلام والهيئات المهتمة بالنشر والثقافة دعم دور النشر للكتب الورقية وتشجيعها على عرض كتبها وتخفيض أسعار المساحات المخصصة لعرض كتبها في المعارض -على وجه الخصوص- لتعويض ما تتكبّده في الشحن والإيجار والرجيع وغيرها من مصاريف، مع استمرار دعم الوزارات لشراء عدد من الكتب، يساعد تلك الدور ويدعم المؤلفين وكذلك إيجاد وسيلة لحماية حقوقهم إزاء ذلك الانتشار للكتاب الإلكتروني. وقد بدأت وزارة الثقافة والإعلام عندنا منذ تولي وزيرها الشاعر الدكتور عبدالعزيز خوجه خطوة رائعة في دعم المؤلفين باقتناء كمية من كتبهم، غير أنها تباطأت في الآونة الأخيرة بعد اضطلاع لجنة مختارة بهذه المهمة.. وهي خطوة نتمنى استمرار الوزارة فيها لما تُشكّله من دعم حقيقي للمؤلفين؛ أمام ارتفاع أسعار الطباعة، وضعف قنوات التوزيع والإقبال على الكتاب، وبالتالي ارتفاع تكلفة طباعة الكتاب نظرًا لقلة الكمية المطبوعة. [email protected]