ذكر الأبشيهي في المستطرف من كل فن مستظرف: لما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبدالعزيز، أتته الوفود، فإذا فيهم وفد الحجاز، فنظر إلى صبي صغير السن، وقد أراد أن يتكلم فقال: ليتكلم من هو أسن منك، فإنه أحق بالكلام منك، فقال الصبي: يا أمير المؤمنين لو كان القول كما تقول لكان في مجلسك هذا من هو أحق به منك، قال: صدقت، فتكلم، فقال الصبي: يا أمير المؤمنين: إنا قدمنا عليك من بلد تحمد الله الذي منّ علينا بك، ما قدمنا عليك رغبة منا ولا رهبة منك، أما عدم الرغبة، فقد أمنا بك في منازلنا، وأما عدم الرهبة، فقد أمنّا جورك بعدلك، فنحن وفد الشكر والسلام، فقال له عمر رضي الله عنه: عظني يا غلام، فقال: يا أمير المؤمنين إن أناسا غرّهم حلم الله وثناء الناس عليهم، فلا تكن ممن يغره حلم الله وثناء الناس عليه، فتزل قدمك وتكون من الذين قال الله فيهم «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ»، فنظر عمر في سن الغلام فإذا له اثنتا عشرة سنة، فأنشدهم عمر: تعلّم فليس المرء يولد عالما... وليس أخو علم كمن هو جاهل فإنّ كبير القوم لا علم عنده... صغير إذا التفّت عليه المحافل» قد يستغرب البعض مثل هذه القصة! فعندما يلتفت حوله سيقول بلا تردد: كيف لطالب في الصف الأول المتوسط أن يقول مثل هذا الكلام وأمام حاكم الدولة وفي حضرة وفود؟! ولا أشك أن ما جعل هذا التشكيك يرد، هو نظرنا إلى ما حولنا، فما نراه من نسبة لا بأس بها من الأولاد وفي مراحل متقدمة، أنه لا يستطيع نظره أمام الآخرين فضلا أن يكون كغلام الحجاز؟! تقول: يجب أن نسعى لأن يكون أبناؤنا كهذا الغلام، فيأتيك الرد: هل تطلب من أبنائنا أن يكونوا كطفل في عام 99 للهجرة؟! والحقيقة أن من اتسم بالواقعية ونظر نظرة منصفة سيجد نماذج كثيرة حوله ولله الحمد نراها في مدارسنا وجامعاتنا ومسابقاتنا وحلقاتنا لتحفيظ القرآن، وقبل سنوات قليلة كان حال الذاكرة والفصاحة أفضل وأكثر تميزا وقوة. ويبقى السؤال: أين من يكتشف هذه المواهب؟ ومن يحميها من وسائل التقنية التي تشغل عقولها عن الاستعمال الصحيح؟ أعتقد: البيت أولا بأن يحرص على حماية ابنه وابنته حتى ولو سحب الجهاز منه، ففائدة هذه الأجهزة محتملة وضررها متحقق.