قصتي اليوم عن طفل أعرفه عمره ست سنوات، براءة الطفولة في عينيه، زارتهم جدته بضعة أيام، وكعادتها تحتفظ معها دوماً بكيس مملوء بأنواع الحلوى، فتطعمه وإخوته وأخواته منها إذا طلبوا، أو ترّغبهم بها ليقوموا ببعض الأعمال من مساعدة أمهم، أو قشط صحون طعامهم حتى لا تُرمى بقاياه في القمامة. فوجئت يوماً بالكيس فارغاً، فسألته من أكل الحلوى؟ فقال: أنا! قالت: وتعترف بأنك أكلت من كيسي دون أذن مني؟! فقال: المسلم يسرق ولا يكذب. ألجمها جواب هذا المفتي الصغير فلم تعرف ماذا تفعل. تضحك؟ تعبس؟ تحوقل؟. ثم تبين لها أن أمه عوّدته على قول الصدق، وأنها ذكرت له مرة أن المسلم لا يكذب أبداً حتى لو سرق. هذه القصة ترشدنا إلى ضرورة الانتباه لأقوالنا وأفعالنا والقصص التي نرويها لأطفالنا، فهي ترسخ في أذهانهم، وتجعلهم يحاكمون الأمور ضمن حدود إمكاناتهم، وقد يصلون إلى نتائج غير صحيحة من خلال مقدمات خاطئة، وبالتالي فلا عجب أن أفتى هذا الطفل نفسه في سرقة محتويات كيس جدته، وإن لم تكن سرقة بالمعنى الدقيق، فجدته ما جلبت الحلوى إلا لهم، لكنها تريد تنظيم توزيعها، فلا يستأثر بها أحد دون الآخرين. ويعدد صديقي محمد نور سويد في كتابه الرائع (منهج التربية النبوية للطفل) الأساليب الفكرية المؤثرة في عقل الطفل، ويذكر منها: الخطاب المباشر، وخطاب الطفل على قدر عقله، والحوار الهادئ. ففي الخطاب المباشر يذكر حديث (يا غلام: إني أعلمك كلمات) ثم يعدد له كلمات مختصرة مفيدة، لا طول فيها ولا ملل، انسجاماً مع طبيعته الفكرية، التي تتطلب الكلمات القصيرة الموجزة الجامعة الغنية بالأفكار والمعاني. وفي خطاب الطفل على قدر عقله ذكر عدة أحاديث، منها ممازحته صلى الله عليه وسلم للطفل أبي عمير (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟). وفي الحوار الهادئ ذكر عدة أحاديث وبعضَ قصص الخلفاء. فقد جاء وفد من الحجاز على الخليفة عمر بن عبد العزيز، فتقدمهم غلام ابن إحدى عشرة سنة للكلام، فقال له الخليفة: لينطق من هو أسنّ منك! فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه. ولو أن الأمر بالسن لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك هذا منك! فقال عمر: عظني يا غلام! فقال: إن ناساً غمرهم حلم الله عنهم، وطول أملهم، وكثرة ثناء الناس عليهم، فزلت بهم الأقدام، فهووا في النار! فلا جعلك الله منهم. كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز [email protected]