كانت جولة ولي العهد الآسيوية، التي شملت الصينوالهند، أكبر سوقين في العالم، ومعهما باكستان، ناجحة للغاية، فقد شهدت توقيع اتفاقيات استثمارية ضخمة وشراكات إستراتيجية وتعهدات من جانب السعودية بالاستثمار في مشروعات مشتركة بلغت 148 مليار دولار. لكن السؤال: هل السعودية تتجه شرقا على حساب علاقاتها الإستراتيجية مع الحلفاء القدماء في الغرب وخاصة مع الولاياتالمتحدة؟. أعتقد أن هناك مبالغة في هذا الطرح فستظل العلاقات السعودية- الأمريكية قوية وإستراتيجية، بدليل الزيارة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وعقد مجموعة من الاتفاقيات تتجاوز 400 مليار دولار مع شركات وجهات أمريكية، وذلك بهدف تعزيز الاستثمارات وفتح المجال أمام الشركات العالمية لدخول السوق السعودية ضمن رؤية المملكة 2030. وبالتالي فرؤية 2030 هي البوصلة التي من خلالها تتحرك الحكومة على المستوى الداخلي من خلال تطوير شامل لمنظومة وبنية القطاعات الاقتصادية والقوانين المنظمة لها، وتشجيع القطاع الخاص أو على المستوى الخارجي من خلال تنويع مصادر التعاون الإستراتيجي وجذب الاستثمارات الأجنبية وعقد الشراكات والاتفاقيات العالمية لنقل الخبرة والمعرفة وتوطين الصناعات محليا، وذلك كله بهدف النهوض بالاقتصاد الوطني وتحريره من الاعتماد على النفط مصدراً وحيداً. والسعودية تدرك أن نجاحها في التنوع الاقتصادي يقتضي بالضرورة تعزيز علاقات مع دول آسيا بشكل عام والصينوالهندوباكستان بشكل خاص أكثر من ذي قبل، لا سيما وأن كل واحدة من الدول الثلاث تمثل عمقاً إستراتيجياً لمكانتها الإقليمية والدولية وطبيعة المصالح التي تربطها بالسعودية. والمتابع لهيكلة الاقتصاد العالمي يدرك تماما أن هناك انتقالا حقيقيا وملموسا لمقادير القوة الاقتصادية من منطقة عبر الأطلنطي إلى منطقة الباسفيكي. ففي عام 2014 تجاوزت الصينأمريكا اقتصاديا وفقا لأرقام صادرة عن صندوق النقد الدولي. ويتوقع تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه بحلول ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين سوف تبلغ قيمة إجمالي الناتج المحلي لدول رابطة «بريكس»(البرازيل وروسيا والهند وإندونيسيا والصين وجنوب إفريقيا)، ما يعادل تقريباً إجمالي الناتج المحلي لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (حسب عضويتها الحالية)، وذلك مقارنة بقيمته الحالية التي تبلغ نصف قيمة إجمالي الناتج المحلي للمنظمة حالياً. الأمر الآخر أن هذا الصعود الاقتصادي الكبير للهند والصين وبقية دول آسيا ينعكس بالضرورة على الارتفاع في استهلاكها للنفط. فوفقا لتقرير وكالة الطاقة الدولية «سيناريو تحول موازين الاستهلاك العام من الطاقة من غرب الأطلنطي في الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالصين إلى الهند والشرق الأوسط» يرى التقرير أن مركز ثقل الطلب على الطاقة يتحول بشكل كبير نحو الاقتصادات الناشئة، وبشكل خاص نحو الصينوالهند والشرق الأوسط، التي تقود الارتفاع في استخدام الطاقة بمعدل الثلث. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن في حالة نمو الاقتصاد العالمي بمعدل 3.6% في العام، سينمو الاستهلاك العالمي للطاقة بنسبة 56% ما بين 2010 و2040، ونصف هذه الزيادة ستأتي من الصينوالهند وحدهما. والسعودية تتربع على عرش كبار مصدري النفط في العالم وتعتبر أكبر مورد للنفط للصين والهند، وبالتالي فتعزيز العلاقة معها هو تعزيز لصادرات النفط السعودي وضمان وصوله إلى الأسواق الآسيوية. وأخيرا فالسعودية الجديدة تدرك تماما أن النهوض بالاقتصاد الوطني وتحريره من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد والتي تعمل عليها رؤية 2030، تستلزم تنويع مصادر التعاون الإستراتيجي، وخاصة مع دول آسيا، الذين أصبحوا لاعبين اقتصاديين مهمين على الساحة العالمية، وأن هذا التعاون يجب ألا يقتصر على المجال الاقتصادي فحسب، بل يجب أن يمتد ليشمل الجوانب السياسية والأمنية بما يخدم مصالح الطرفين ويحقق رؤية المملكة 2030.