تسعى الحكومات والدول لتحقيق التنمية المستدامة من خلال الاستفادة القصوى من مواردها البشرية والمالية والطبيعية دون المساس بثروات الأجيال القادمة التي تدعم تلبية حاجاتها، وضمان عدم الإفراط في الاعتماد على الموارد الطبيعية من خلال تبني أفضل الآليات الكفيلة بتحديد المخاطر المحتملة والتعامل معها على المدى المتوسط والطويل. والبلدان سواء أكانت غنية أم فقيرة، لا تتطور دون إرادة سياسية حكيمة، تخطط لحاضرها ومستقبلها بشكل متسارع ومتوازن، مستفيدة من معرفتها الدقيقة بمواردها وإمكاناتها اللوجيستية والبشرية وتأثير كل ذلك على الاقتصاد الكلي للدولة. والتنمية مفهوم معروف للتطور والنمو الاقتصادي والاجتماعي، استطاع خبراء التنمية أن يستنبطوا منه وجها جديدا يعزز التنمية المجتمعية اقتصاديا ومعرفيا، وذلك بربط الإنسان بموارده البيئية، وإيجاد فرص العيش الكريم له وللأجيال القادمة، فكانت التنمية المستدامة أو (التنمية الإنسانية) تعني تلبية احتياجات الجيل الحالي دون إهدار حقوق الأجيال القادمة. والتنمية المستدامة محور اهتمام العالم كله، لهذا سارعت الأممالمتحدة لِعقد قمة في البرازيل في أواخر عام 2015 حضرها العشرات من قادة العالم، تم على إثرها اعتماد الخطة الأممية للتنمية المستدامة (2015- 2030) بأهدافها ال17 ومعاييرها، التي تُركز على تحقيق مستوى معيشي لائق للأجيال في الحاضر والمستقبل. ولو تطرقنا إلى اهتمام المملكة بالتنمية المستدامة، لوجدنا أنها تحظى باهتمام ومتابعة أعلى هرم السلطة، إذ إن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بنفسه أعطى هذا الموضوع أهمية بالغة، إذ قال في توجيهه للحكومة: «نحن جزء من هذا العالم، نعيش مشاكله والتحديات التي تواجهه، ونشترك جميعا في هذه المسؤولية، وسنُسهِمُ بإذن الله بفاعلية في وضع الحلول للكثير من قضايا العالم الملحة، ومن ذلك قضايا البيئة وتعزيز التنمية المستدامة». وفي الوقت نفسه، فإن رؤية المملكة 2030، التي وضع أسسها وتبناها ويشرف على تنفيذها سمو ولي العهد تتمحور حول ثلاث ركائز أساسية، هي: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، وهذه الركائز تنطوي على أهدافٍ سامية عدة تعتزم الرؤية تحقيقها بنهاية عام 2030 عن طريق برامجها التنفيذية الاثني عشر، وأهمها برنامج التحول الوطني 2020، وبرنامج جودة الحياة ذو الارتباط المباشر بأهداف التنمية المستدامة، الذي يعمل على (أنسنة التنمية) أي التركيز أكثر على الإنسان وتوفير البيئة، التي تجعل المملكة الوجهة الأفضل للعيش سواء للمواطن أم للمقيم على حدٍ سواء، وإقامة المشاريع على أرض الواقع من خلال استنباط الفرص وخلق الشراكات الاقتصادية لتلبية طموحات واحتياجات المجتمع والأفراد بما يحقق، مع مرور الزمن وتراكم الموارد، التنمية الإنسانية المستدامة. فالمجتمعات الإنسانية أينما تكون جديرة بكل جهد يحميها ويصونها لينعم العالم بالأمن والسلام.