يعد مفهوم التنمية من اكثر المفاهيم تداولا على الساحة العالمية، فلا يوجد دولة متقدمة أو نامية أو حتى متخلفة لا تهتم بموضوع التنمية والقضايا المرتبطة بها، فعملية التنمية هى الشغل الشاغل لصانعى ومنفذى القرارات والقائمين على شؤون الدولة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وغيرها. وقد برز مفهوم التنمية تواكبا مع بداية علم الاقتصاد ليدل على العملية التى يمكن من خلالها احداث العديد من التغيرات وخاصة الجذرية منها داخل المجتمع سعيا الى احداث التطوير المنشود والاهداف التنموية وفقا للمعدلات المتطلع اليها، والتى يتم من خلالها تحسين نوعية الحياة للمواطنين داخل المجتمع، ولقد تعدد المصطلحات التى اطلقت على مفهوم التنمية فهناك من اشار الى التنمية الشاملة والتنمية البديلة والتنمية المتكاملة وغيرها، وها نحن اليوم نستخدم مصطلح التنمية المستدامة الذى بات يتداول بشكل كبير فى كافة الاوساط الاقتصادية والسياسية. وفى الحقيقة سعيت الى الوقوف على ابعاد هذا المفهوم محاولا ايضاح مضمونه وابعاده للعامة غير المتخصصين من ابناء الوطن حتى يتسنى لنا فهمه واستيعابه، حيث تشير الكتابات الاقتصادية والتنموية ان هذا المصطلح سجل أول ظهور له فى تقرير عالمي صادر عن اللجنة العالمية للتنمية والبيئة عام 1987 بعنوان «مستقبلنا المشترك» وقد تضمن هذا المفهوم رؤية جديدة للتنمية لكى تصبح مستدامة بمعنى متواصلة، حيث عرفت التنمية المستدامة بأنها «التنمية التى تلبى احتياجات الحاضر دون الاضرار بقدرة الاجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها»، وهنا نرى ان الاستدامة فى التنمية يجب ان تشمل الاهتمام بأجيال المستقبل وأن أجيال الحاضر يجب ان تضع احتياجات اجيال المستقبل فى الاعتبار عند التخطيط ورسم سياسات التنمية. وفى اطار هذا الفكر نجد انفسنا نتطرق الى قضية هامة وهى الاستهلاك الرشيد، بمعنى ان اجيال الحاضر يجب ان ترشد انماط استهلاكها للموارد المتاحة فى الوقت الحاضر حتى لا تنفذ، وهنا تتضمن الاستدامة الحفاظ على كافة الموارد الطبيعية وغيرها لصالح الاجيال القادمة، ليس ذلك فحسب بل نجد ان التنمية المستدامة تهتم بالبعد البيئى وتوثق العلاقة بين التنمية والبيئة فى اطار ما يسمى الاقتصاد الاخضر الذى يهتم بقضايا التنوع الحيوى وقضايا المناخ والحد من التلوث البيئى والاحتباس الحرارى والحث على التصنيع بشروط التوافق البيئى، وهنا نجد ان التنمية المستدامة تتضمن رؤية مستقبلية لاستدامة وتنمية كافة الموارد لصالح الاجيال القادمة وإقامة نظام بيئى اكثر استدامة ونظم اجتماعية تحقق العدالة بين الاجيال. ومن هنا فان الفلسفة التى تنبثق منها عملية التنمية المستدامة هى فلسفة محفزة للاستثمار الامثل للموارد والحفاظ عليها وايجاد كافة السبل الرشيدة لتحقيق برامج تنموية متواصلة ترامية لا تنظر الى الوراء وتهدف الى تحقيق خطوات تقدمية متتابعة ومتكاملة ومترابطة فى سياق الاستدامة.