يُؤمِن أغلبية الحكماء بأن الجميع يمكنهم تحقيق السعادة باستمرار، وذلك لسبب جوهري أنها في الحقيقة لا تتوقف بشكل أساسي على الآخرين، ولا على وضع العالم الخارجي، لكنها تتوقف أولا وقبل كل شيء علينا وعلى قدرتنا على إحداث تناغم مع ذواتنا، وذلك حين نحاول أن نفهمها فهما أعمق، وأن نتدرب على التمارين النفسية الملائمة لنموها، عندها ستتحقق السعادة الدائمة المرتبطة بالاشتغال على الذات التي نصل إليها من دواخلنا، وهي بالتأكيد منفتحة على الآخرين ولكنها تستند أساسا إلى تطوير استجاباتنا وتنظيم رغباتنا، أكثر من الانهمام بتغيير نظام العالم من حولنا، ومحاولة ضبطه على مقاسنا. أولى الخطوات هي في الانتقال من الكم إلى الكيف، وأن نستمتع بالحاضر بعيدا عن قلق الماضي والمستقبل، وأن نحب ما نمتلكه هنا والآن أكثر من التوق لما لا نملكه، وهنا يكمن السر، في تحديد هويتنا الخاصة بعيدا عن السباق الاستهلاكي المحموم والركض وراء الأشياء التي لا قيمة لها. لا ينبغي أن يتحول البحث عن السعادة إلى هوس، وإنها لمفارقة أن يعاني الأشخاص الأكثر التزاما في البحث بنشاط عن طريقة يزيدون من خلالها إحساسهم بالسعادة، من أثر عكسي لذلك، فالأشخاص المهووسون بزيادة ممتلكاتهم وتوسيع رغباتهم يمنعون أنفسهم من معايشة الحاضر وتذوق جمال اللحظات البسيطة، فباستهدافهم لتحقيق أكبر قدر من السعادة يهيئون أنفسهم للإصابة بخيبات الأمل، وبالتزامهم بالسعي الفردي وأنانية الطموحات يميل هؤلاء الأشخاص للانفصال عن الآخرين، وبهذا يفقدون مكونا أساسيا من مكونات السعادة. إنها دعوة للتصالح مع العالم، وأن تقول نعم للحياة ولما هو موجود، والرضا بما يرسله لنا القدر، وأن نتحرر من التمزقات النفسية التي يدخلها فينا الفهم الخاطئ لمغزى الأحداث. عندما لا تكون متوترا ستكون منسجما أكثر مع تدفق الحياة، وستتجنب التحكم بحياة الآخرين، فانس مصارعة الحياة، أو محاولة إثبات الإيجو، وكن حرا مثل الماء، الذي يتشكل حسب الإناء، ويتلون ويتدفق بسلاسة عبر الأنهار، ويتيح لنا الفرصة لنسبح ونصيد ونركب الأمواج ونشرب، ومنه وجد كل شيء حي، وتذكر دوما أنك أقرب ما تكون على طبيعتك حين تتناغم مع خصائص الماء لأن سبعين بالمائة من تكوينك البيولوجي من الماء. لسنا بركة راكدة، بل تدفق نهري يعتمد على كل ما يحدث في هذه اللحظة، وهذا يعني أننا نجدد أنفسنا لحظة بلحظة بينما نمضي في الحياة، فالأمر في أيدينا، وهذه مسؤولية شجاعة جدا، تحرمنا من عادة اللوم التي نلقي فيها بأفعالنا على من حولنا، وهنا تتغير ملامح الإجابة عن السؤال المتجدد منذ الأبد «من أنا»، وتبدأ في ملاحظة أن هناك قليلا جدا مما هو ثابت، ومعظم الأمر متروك لك.