مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تلقائية استجابات الإنسان للمواقف والمثيرات
نشر في الرياض يوم 24 - 03 - 2013

إن معارف الإنسان ومهاراته وخبراته وقدراته مكتسبة ومخزونة في قابلياته فالإنسان بما ينضاف إليه وهو لايكون عتاداً ذاتيًّا إلا إذا كان في حالة جاهزية دائمة فلولا انسياب أو تدفُّق الاستجابات في الإنسان تلقائيًّا في مختلف المواقف والمثيرات لكانت الحياة الإنسانية بالغة العُسْر ولصار الإنسان في أدنى مستويات الكلال والعجز, ولكن الخالق سبحانه يسَّر له مواجهة متطلبات الحياة بما منحه من آليات تستجيب تلقائيًّا بمنتهى السرعة والدقة والكفاية..
لقد هيأه الله بقابليات عظيمة وبتجهيزات مذهلة تضمن له إذا اهتمَّ بأن يبني قدراته بالمستوى اللائق الذي يُرضيه عن ذاته, ويكفل له حياةً جديرة بأن يحياها فيستمر في تنمية هذه القدرات وتطويرها لتهيئته لمسؤوليات ضخمة وإنجازات عظيمة وأداء دقيق وسريع ومتقن فتلقائية الإنسان هي عُدَّته في الحياة إنها تستجيب للمثيرات تلقائيًّا ولا تنتظر حركة الوعي البطيئة..
لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم كما أنه سبحانه: (أعطى كل شيء خلقه ثم هدى).
تلقائية أداء الأجهزة الحيوية في الإنسان آية عظيمة باهرة ومذهلة تنطق بعظمة الخالق وتملأ عقل الإنسان بالدهشة والخشوع فتجيش نفسه بمشاعر الروعة والجمال والجلال وتتفاعل هذه الأحاسيس في القلب والعقل فتحتشد دهشةً وامتناناً وحُبًّا وإجلالاً للخالق العظيم فيختلج جسده ويقشعر جلده وتتجاوب مكوِّنات نفسه ويتلألأ الإيمان في كل خلية من خلاياه
يقول العالم دانييل دينيت في كتابه (نحو فهم الوعي) : (كلُّ ما فينا من جزيئات الهيموجلوبين ومن الأجسام المضادة والعصبونات وماكينات رد الفعل المنعكس.. كل ما في جسمنا على كل مستوى للتحليل بدءًا من المستوى الجزيئي بما في ذلك مخنا.. هذا كله يتكوَّن من ماكينات تؤدي في صمتٍ أبكم مُهمَّاتٍ مدهشة تم تصميمها تصميمًا رائعًا).
إن انتظام حياة الإنسان السَّويَّة يتوقف على استمرار التوازن بين المثيرات والاستجابات كما يتوقف على التوازن بين الهرمونات الحاشدة والهرمونات المهدئة..
لقد جهزَّ الخالقُ سبحانه الإنسانَ بأجهزة ذاتية التشغيل بالغة الدقة والجاهزية والتكامل والتناغم ورغم تعدُّد هذه الأجهزة وتنوع وظائفها وشدة تعقيداتها فإنها في الحالة السوية تبقى منتظمة ومتناغمة ومتآزرة بمنتهى الدقة والسرعة والانضباط كما تبقى متمايزة بوظائفها وتنوع استجاباتها فكل جهاز له وظائف محدَّدة بدقة متناهية لكنها تؤثر وتتأثر بأي خلل يعتري الأجهزة الأخرى بل إن بعضها يقوم بوظيفة البعض الآخر إذا أصيب هذا الآخر بضعف أو عَطَب فهي تعمل بإيقاع دقيق وتكامل مدهش..
إن التعرف على الطبيعة البشرية، وامتلاك مفاتيحها هما من ألزم المعارف للإنسان.. إنهما مطلبٌ بالغ الأهمية والحيوية على المستويات الفردية والاجتماعية والإنسانية فعليه تتوقف الفاعلية الإنسانية؛ لذلك اهتمَّ النابهون بآليات هذه الطبيعة فاستغرق اهتمامَ وجهودَ أفرادٍ من أشد الباحثين نباهةً وأرفعهم نبوغًا ويأتي في مقدمتهم العالم الشهير بافلوف الذي انتهى بعد تجاربه الصبورة والدقيقة والحاسمة إلى القول : (إنني مقتنع عن يقين لايتزحزح بأننا على هذا الطريق سوف نعثر على النصر النهائي للعقل البشري على مشكلته الكبرى: معرفة نظام وقوانين الطبيعة البشرية).
لقد اكتشف بافلوف آليات البرمجة والتشريط ثم تتابعت بعده جهودٌ عظيمة من أجل أن يحققوا توسيع الفهم وتعميقه وتيسيره لكل الأفراد والأمم فتوالت الاكتشافات العظيمة التي أتاحت للمهتمين معرفة الطبيعة البشرية ومكَّنتهم من إدراك آلياتها العجيبة فتهيأت للناس إمكانات عظيمة لتطوير قدراتهم والسيطرة على تفكيرهم وسلوكهم إذا رغبوا ولكن ليس أندر من هذه الرغبة وبذلك أضاع أكثرُ الناس أعظمَ الفرص وأهدروا أثمن الإمكانات فبقوا محكومين بالتبرمج التلقائي وبقيتْ استجاباتهم غالباً محكومة بالتدفقات الهرمونية التلقائية تعصف بهم وتتحكَّم بتفكيرهم وسلوكهم ومواقفهم..
إن اكتشاف الغدد الصماء وما تفرزه من هرمونات حافزة وحاشدة أو مثبطة ومهدئة يأتي في مقدمة الاكتشافات المحورية التي يسَّرتْ فهم الطبيعة البشرية وأزاحت الستار عن التجهيزات المدهشة التي توفر للإنسان تلقائية الاستجابة في مختلف المواقف بسرعة ودقة وكفاية..
إن الغدد الصماء بما تنتجه من هرمونات متنوعة هي من أهم الأجهزة التي تتحكم تلقائيًّا بردود الفعل وتحشد العقل والجسم والعواطف ليستجيب الفرد للمثيرات والمواقف بل إنها تتحكم في مزاج الإنسان وتؤثِّر في احتياجاته وتتدخل في خياراته ورغباته وسلوكه وقراراته..
أحَدُ الكتَّاب وصَفَ حالةً انتابتْه بقوله : (سَرَتْ مادةُ الإدرينالين في جسدي من أخمص قدمي حتى كادت الحرارة أن تفْجُر رأسي) فالهرمونات هي التي تثير الشخص أو تهدئه فمنها ما هو مثير وحاشد ومنها ما هو مثبِّط ومهدئ، ولكن الإثارة هي الأقوى والأدوم والأسبق وفي كل الأحوال فإن الإنسان محكومٌ بما تفرزه الغدد الصماء العجيبة فالمرء قد تجتاحه لحظةُ غضب عارم فيحتشد كل كيانه بما تفرزه هذه الغدد من هرمونات حاشدة ومُلهبة فيدافع عن نفسه أو يهاجم أو يندفع هارباً أو يرتكب حماقات قد تفسد حياته فقد يرتكب حماقة القتل أو العدوان أو الطلاق أو البذاءة التي قد تجلب عليه وعلى غيره أفدح الضرر وقد تجتاحه تدفقات هرمونية تدفعه لنزوة طائشة فيرتكب خطأً يدمِّر سمعته ويقضي على مستقبله لذلك فإن تعريف الناس بطبيعتهم التلقائية وتعليمهم بأن يتدربوا على مواجهتها بالانضباط والتعقل ويواصلوا المران على ذلك حتى يعتادوا على الرَّوِيَّة فيواجهوا فورات الغضب والإثارات بما يحقق السيطرة عليها فيصبح التعقُّل استجابةً تلقائية فالتكرار يؤدي إلى التبرمُج فينساب منها السلوك انسيابًا تلقائيًّا...
إن الإنسان مرتَهنٌ باستجاباتٍ تلقائية تتحكَّم به ما لم يدرِّب ذاته بانتظام ودقة على مواجهة المثيرات بوعي وصرامة وانضباط وتعقُّل وكما يقول عالم النفس الشهير إريك برن في كتابه (الطب النفسي والتحليل النفسي): (إن الغُدَد الصماء لدى الفرد تؤثر بشدة في رغباته وفي مقدار الطاقة التي يستخدمها لإشباعها وكذلك السرعة التي يستخدم بها هذه الطاقة)، ويؤكد أن من آليات الإنسان التلقائية أنه: (عندما يختل أحد أجهزة الجسم فإن الجسم يعوضه بزيادة كفاءة الفكر والشعور والتصرف).
ويوضح أن الخالق سبحانه قد بنى الإنسان ليكون قادراً على التكيف التلقائي مع البيئة المحيطة به فهو يتعرف عليها ثم يحاول تلطيفها ويسعى للتحكم بها أو الابتعاد عما لايستطيع التكيف معه أو الهرب عنه وكل ذلك يحصل باستجابات تلقائية..
يَعْقد العالمُ الاسكتلندي السير جون آرثر طومسون فصلاً بعنوان (ماهي الهرمونات؟) وذلك في كتابه (مشكلات تحيِّر العلم) وهو كتابٌ قد راجعه العالم برنارد جافي بعد وفاة المؤلف وأضاف ما استجد من تطورات علمية في نفس المجال وقد جاء فيه: (الغدد الصماء هي مصدر المواد الهامة المعروفة بالهرمونات والتي يوزعها الدم على كل أجزاء الجسم.. الهرمونات تنظِّم وتوازن أوجه النشاط الداخلية بحيث تعمل متعاونة .. وكلمة هرمون تعني الشيء الذي يُحَرِّك أو يهيِّج أو يثير ولكن بعضها يعمل بعكس ذلك على التسكين والتهدئة، وهناك تسع غددٌ صماء تصبُّ مالا يقلُّ عن ثلاثين نوعاً من الهرمونات المختلفة في مجرى دمائنا)، ثم يتحدث عن المفاعيل التلقائية القوية لهرمون الإدرينالين فهو إذا تدفَّق في دم الفرد : (يصبح جسمه مستعدًّاً للعراك وهو استعدادٌ يضر أو ينفع).. إنه يحشد طاقات الإنسان لمواجهة الموقف لكنه قد يدفع إلى الشطط وارتكاب الحماقات فلا بد من استثمار فاعليته للعمل والإنجاز وتَوَقِّي الاندفاع الطائش الذي قد ينتج عنه..
إن الإدرينالين يجدد طاقة الإنسان ويحشد قدراته ولكنه قد يحيله إلى كائن متفجر بالعنف والشراسة..
إن الجسد والعقل والعاطفة كلها تعمل بتناغم تلقائي دقيق فإذا تدفقت بعض الهرمونات الحاشدة تدفقاً يفوق الحاجة أو يمتد زمنيًّا أطول من المطلوب، أو إذا تضاءل إفرازها تضاؤلاً يجلب الخمول اختلت هذه التلقائية واضطربت حياةُ الإنسان وكما يقول مؤلفا كتاب (بواعث الطاقة) الدكتور (تود)، والدكتور (ستانفورد) وهما يخاطبان الإنسان: (إنك كائنٌ جميل مركَّب مؤلَّف من عدد من أنظمة الطاقة البدنية والعاطفية المترابطة فيما بينها وإن عقلك يرتبط بجسمك بشكل عميق).
إن هذا الترابط العميق والوثيق يتأسَّس وينتظم بانتظام الأداء التلقائي الصارم والتناغم الدقيق للجسم والعقل والعاطفة فإذا اضطربت التلقائية اضطربت بها ومعها حياة الإنسان..
إننا حين نتأمل تكوين الإنسان وقابلياته وتجهيزاته واستجاباته نكون أمام أروع الكائنات فليس أروع من تكوين الإنسان: عقلاً وجسداً ووجداناً ومهارة وإبداعاً فقد جَهَّزه الخالق سبحانه بأجهزة ذاتية الحركة دقيقة وعديدة وذات وظائف حيوية متنوعة تستجيب للمؤثرات والمثيرات والمواقف والأوضاع والظروف بشكل تلقائي مدهش وبذلك تأتي الاستجابات متكافئة مع تقلبات الظروف وتنوعات المؤثرات واختلاف المواقف وذلك من أجل تمكين الإنسان من مواجهة صعوبات الحياة بإيقاعاتها السريعة ومثيراتها المتنوعة ويتم ذلك تلقائيًّا بأداء مذهل..
إن التوقد أوالانطفاء..الذكاء أو الغباء..الانتباه أوالغفلة..الفزع أوالاطمئنان.. الإقدام أوالإحجام.. الهدوء أوالتوتر.. النوم أوالأرق.. الرضا أوالغضب.. الفرح أوالحزن... الابتهاج أوالاكتئاب.. الانبساط أو الانطواء.. انفتاح القابليات أوانسدادها.. الانجذاب أو النفور.. القبول أو الرفض.. كل ذلك وأكثر منه ليس إلا استجابات تلقائية ناتجة عن تفاعلات كيميائية وكهربائية وتدفُّقات هرمونية مستثارة لحشد الطاقة أو تهدئتها طبقاً لما تقتضيه الحالة...
إن الإنسان محكومٌ بالتدفقات الهرمونية وكما يقول والدمار كمفرت في كتابه (فتوحات علمية): (على رأس القائمة توجد الهرمونات فإذا أصاب التغيير غدة صماء من بين هذه الغدد العشرين التي تتحكَّم في جسم الإنسان فإن أحداً لايستطيع أن يتصور ما قد ينجم عن ذلك .. نحن نعلم أن ازدياد نشاط الغدة النكفية يضفي على الجسم طاقة وحيوية تجعله قلقا مضطربا.. وازدياد نشاط الغدة الكظرية يُغَيِّر من حياة الإنسان العاطفية) ثم يجزم بأن : (المخ ما هو إلا جهاز كهروكيماوي ) ويقول: (الكائن البشري نظامٌ كيماويٌّ في حالة توازن بالغ الدقة بحيث يختل هذا التوازن إذا افتقر إلى مادة حيوية لاتزيد في المقدار على رأس الدبوس.. ونظرية التوازن الكيماوي قد دُعِمَتْ واتسع نطاقها باكتشاف الهرمونات والتعرف على عمل الغدد التي تفرزها) ويقول: (وإذا أخذنا عمل الهرمونات علينا أن نعدل من فكرتنا عن الإنسان فالجسم ما هو إلا كيانٌ كيماويٌّ كامل في حالة اتزان بالغ الدقة يمتلك القدرة على إصلاح نفسه عن طريق مواد كيماوية أهمها المعادن والفيتامينات والهرمونات).
إن أجهزة الجسم الإنساني تلقائية الاستجابة وذاتية التشغيل وكاملة التأهُّب إنها في نفس اللحظة تَهُبُّ لأداء وظائفها المتنوعة فإذا أدَّتْ هذه الوظائف عادتْ إلى حالة التأهُّب الدائم لتكرار الأداء كلما حدثت حاجة ومع ذلك فإنها في الحالات السوية لاتتعارض ولا تتداخل وإنما تتكامل..
إن التناغم الرائع فيما بينها هو الذي يحقق هذا الانتظام العجيب للحياة ويحول دون التداخل والخلل والاضطراب إنها متأهبة دائماً لتستجيب تلقائيًّا بفاعلية ودقة وصرامة والتزام فليس أروع من انتظام الأداء التلقائي الدقيق لأجهزة الجسد الحي ومايقابلها من استجابات تلقائية ذهنية وعاطفية وسلوكية..
إن هذه التلقائية الدقيقة الصارمة في العمليات الحيوية داخل الكائن الحي تمثل أدق وأجمل وأسلس صور التلقائية الإيجابية فبواسطة هذه التلقائية يتحقَّق انتظامها الباهر وتناغمها الرائع وتآزرها العجيب كما يتحقق التفاعل المدهش بين مكوِّناتها المختلفة ويحصل التكامل المذهل بين الأعضاء والأجهزة والخلايا إنها في حالة تأهُّب دائم واستنفار تام فلا تتقاعس ولا تهمل ولا تتأخر ولا تنسى أو تغفل.. إن هذا التكامل بين الأجهزة المختلفة يمثل أروع صور التعاون التلقائي والدقة في الأداء التلقائي إنه ينساب أو يتدفق تلقائيا فلا تقديم ولا تأخير وإنما يؤدي كلُّ جهاز وكل عضو بل وكل خلية الدور المنوط به بانضباط شديد ودقة صارمة وفاعلية عجيبة..
إن من ألزم مهام الإنسان أنْ يعرف ذاته وأن يتعرف على مفاتيح طبيعته لكي يجيد استخدام قابلياته ويسيطر على تلقائية استجاباته، ولقد صارت المعلومات المفصلة الدقيقة متاحة بوفرة ودقة عن الإنسان ودماغه وجهازه العصبي وغدده وطبيعة الاستجابات التلقائية داخل كيانه وأثرها الحاسم على تفكيره وسلوكه وعاداته، وطباعه وردود الأفعال عنده..
إن من أبرز المعارف التي استجدت عن الاستجابات التلقائية : التأثير السريع والعجيب والمذهل للهرمونات فهي تعمل بدقة متناهية وانضباط صارم وتوازن مدهش وسرعة عجيبة فإذا اعتراها الاضطراب أو تكررت الإثارات المقلقة بشكل يفوق المعدل المعتاد حَدَثَ استنزافٌ لبعضها وتقلُّصٌ في إفرازها وعجزٌ عن مواجهة الحالات المقلقة المستمرة وبسبب هذا الاضطراب الممتد وهذا الاستنزاف المتصل قد يحدث اكتئابٌ، أما في الحالات القصوى فقد يحدث الجنون فليس الجنون الطارئ سوى انفراطٍ للتلقائية وعجزٍ عن كبح التفكير المتأجِّج وغير المنضبط فالجنون الطارئ ليس ذهاباً للذكاء بل انفراطٌ للكوابح وهو يحدث حين تتدفق بغزارة بعض هرمونات الحشد والإثارة مثل الادرينالين والكورتزول وبالمقابل تتقلَّص أو تجف هرمونات أخرى مثل الدوبامين وغيره من هرمونات التهدئة والكبْح فهو ينجم عن اختلال التوازن الهرموني اختلالاً شديداً تنعدم به إمكانات التروي والكبح والتهدئة التي تتيح التعقُّل والسيطرة الذاتية على التفكير..
إن التصورات الواهمة التي تبرمَج بها الناس خلال القرون في كل مكان عن طبيعة الإنسان وعن مفاتيح هذه الطبيعة وعن قابلياته ومكوِّنات عقله وعن مصدر أفكاره وعن الآليات التي تتحكَّم بجسمه وعقله وعواطفه مازالت تُعَطِّل الفهم وتحجب عنه طبيعته الحقيقية.. إن الإنسان بجسمه وعقله وعواطفه وسلوكه كائنٌ عجيب مدهش تتفاعل في داخله وتحركه مجموعةٌ مذهلة من الأجهزة العجيبة المعقدة التي جعلته بهذه الفاعلية العظيمة أو بذلك الكلال الموهن..
إن الذي يهمني من كل هذا هو أن الإنسان كائنٌ تلقائي في التفكير والسلوك فلا يتحقق له التعلُّم الحقيقي ولا اكتساب المهارات إلا باحترام تلقائيته فليست الكفايات الباهرة التي تتجلى في أعمال بعض الأفراد إلا ثمرة لهذه القابليات المفتوحة للتبرمُج والامتلاء والجاهزية والتحفُّز؛ فالإنسان بما ينضاف إليه فهو يولد بقابليات فارغة شديدة التأثُّر ثم تمتلئ بما ينضاف إليها تلقائيًّا أو قصداً..
إن كل فرد مرتَهنٌ بما يتبرمج به فإما أن يتبرمج بالجيد من المعارف والمهارات والاهتمامات والأخلاق أو يتبرمج بالسيئ منها أو بخليط من الجيد والرديء فالمهم أن فاعلياته الفكرية والجسدية والعاطفية والأخلاقية وكفاياته ومستوى أدائه كلها مرتهنة بما يتبرمج به وما يفيض منه تلقائيًّا: إيجابا أو سلبا..
إن تلقائية أداء الأجهزة الحيوية في الإنسان آية عظيمة باهرة ومذهلة تنطق بعظمة الخالق وتملأ عقل الإنسان بالدهشة والخشوع فتجيش نفسه بمشاعر الروعة والجمال والجلال وتتفاعل هذه الأحاسيس في القلب والعقل فتحتشد دهشةً وامتناناً وحُبًّا وإجلالاً للخالق العظيم فيختلج جسده ويقشعر جلده وتتجاوب مكوِّنات نفسه ويتلألأ الإيمان في كل خلية من خلاياه إن صحة الإنسان الجسدية والنفسية تتوقف على الأداء التلقائي الصارم لجميع أجهزة جسده فيأتي الأداء زاخراً بالتناغم والتآزر والتكامل والدقة والانضباط فانتظام الحياة وعنفوانها وتناغم الجسد والعقل والعاطفة وفيضانه بالطاقات الإبداعية وغير ذلك من التجليات المدهشة تتوقف على هذا الأداء التلقائي الدقيق فإذا ارتبكت هذه التلقائية اختلَّ نظام الحياة واضطرب أداء الجسد والعقل والعواطف وتداخلتْ خطوط الاتصال..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.