قبل قرابة الثلاثين عاما عم الحزن حينا السكني عندما فارقت ابنة الجيران سارة الحياة دهسا بحافلة المدرسة. ويتكرر شعور الحزن مجددا وعلى نطاق أكبر وأوسع هذا الأسبوع، عندما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي خبر وفاة الطفلة البريئة زهراء دهسا بالقرب من مدرستها. حادثتان تفصل بينهما أعوام عديدة وأعداد لا يستهان بها من أرواح بريئة غادرت الحياة بنفس الطريقة المؤلمة. ثلاثون عاما تطور فيها العالم بأكمله، وكان لمملكتنا الحبيبة حظ وافر من هذا التطور والنمو والرخاء. ولكن وللأسف مازالت مثل هذه الحوادث تسحبنا جميعا إلى الوراء. تنتشر ولله الحمد المدارس بكافة مراحلها في معظم الأحياء السكنية، فلا يكاد يخلو حي سكني من مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية للبنين وللبنات على حد سواء. أعمل في نطاق عمراني به ثلاث مدارس، ويوميا أعيش هذا المشهد المؤلم. ازدحام سيارات من جميع الجهات، الجميع على عجلة من أمره، تعج بعض حافلات التوصيل الخاصة بأعداد كبيرة من الطلبة أو الطالبات، معلمين ومعلمات. حالة من الفوضى العارمة منذ الصباح الباكر. والنتيجة خليط غير متجانس من أفواج بشرية جلهم من الأطفال ومركبات يقودها سائقون أو سائقات بقدرات وإمكانات مختلفة. ينتابني القلق يوميا بمجرد وصولي إلى نقطة تجمع المدارس الثلاث. السيارات تعبر المنطقة من جميع الجهات، الطلبة يتوافدون إلى المدرسة إما مشيا أو بالسيارات الخاصة أو الحافلات، الأطفال يخترقون أساطيل السيارات والحشود البشرية للوصول إلى بوابة المدرسة. ولكم أن تتخيلوا الوضع. أطفال كعقل الأصابع يحملون على ظهورهم حقائب تكاد تصل إلى الأرض وقد يزيد الأمور سوءا أن ترتدي الطفلة عباءة تجرجرها وراءها. صورة قاتمة تجعلك تحبس أنفاسك خوفا من حدوث ما لا يحمد عقباه. فكثيرا ما يقفز طفل أو طفلة متسللا من وراء إحدى السيارات أو يركض لقطع الشارع تفاديا لسيارات أخرى. بالطبع يوجد بعض المشاهد الإيجابية القليلة لأفراد يقومون بإنزال الأطفال من السيارات، وإيصالهم بأنفسهم إلى بوابة المدرسة ومراقبة الشارع بحذر قبل العبور. ويبقى السؤال الملح، كيف من الممكن إيقاف مثل هذه الحوادث المروعة وضمان السلامة لهؤلاء الأطفال الأبرياء؟. نحن بحاجة إلى قوانين صارمة لتنظيم حركة المرور، وإنزال الأطفال واستلامهم في مناطق المدارس قد يكون منها: * تحديد السرعة القصوى في مناطق المدارس بحيث لا تتجاوز 15 كلم/الساعة، وبشكل خاص أوقات حضور وانصراف الطلبة. * أن يكون المرور بمسار واحد فقط موازٍ لباب المدرسة يسمح بمرور سيارة واحدة فقط، ويلتزم السائق وحارس المدرسة بالتأكد من نزول الطفل ومغادرة السيارة بأمان. * وجود لجنة تنظيمية لمرور السيارات تنظم انسيابية الحركة وسلامة الجميع. * تغيير مواعيد بدء اليوم الدراسي للمدارس الابتدائية عن المدارس المتوسطة والثانوية، بأن يكون متأخرا بمقدار 30 دقيقة مثلا، وذلك للتخفيف من ازدحام السيارات عند بوابات المدارس. * وجود حملات توعية مركزة ولوحات إرشادية للتعريف بأهمية اتباع قواعد السلامة المرورية عند المدارس وعواقب مخالفتها. ولا يخفى دور الأهالي المهم في تفعيل ذلك كله. أبناؤكم أمانة في أعناقكم، سواء أكنتم تتركونهم يذهبون إلى المدرسة مشيا على أقدامهم، أو تقومون بإيصالهم بأنفسكم أو توكلون تلك المهمة لآخرين. رحم الله سارة وزهراء وغيرهما ولآبائهم وأمهاتهم ومحبيهم الصبر والسلوان، وحفظ الله الجميع من كل مكروه.