تشارك المملكة في اليوم الخامس من ديسمبر كل عام الاحتفال باليوم العالمي للتطوع، وهو يوم يجسد قيما إنسانية عظيمة يتجرد فيها الفرد من الأنانية ليعطي إخوته في الإنسانية جزءا من وقته، ويقدم لهم خدمات يحتاجونها دون مقابل، وهو بالنسبة للمملكة والمسلمين من أعمال البر التي يدعو لها الدين الحنيف ويأمر العباد بأدائها ويبشر من يقوم بذلك بعظيم الأجر والثواب، ومما يبعث على السرور بل والفخر أن العمل التطوعي في بلادنا قد نحا مؤخرا منحى مؤسسيا يقوم على التخطيط والتنظيم والأخذ بالأساليب العلمية التي تكفل له المعاصرة ومواكبة المستجدات العالمية في هذا المجال، كما أنه يشهد كل يوم مزيدا من الإنجازات ليس فقط بانتشار ثقافة التطوع وزيادة أعداد المتطوعين والمتطوعات والمشاريع التطوعية وتناميا في عدد الساعات التطوعية التي يقوم بها المتطوعون والمتطوعات، بل وكذلك في نوعية الأعمال التطوعية والمستوى الذي تؤدى فيه وشمولها أنواعا مبتكرة من الخدمات التي تلبي احتياجات مجتمعية ملحة، إضافة إلى تزايد الاهتمام من قبل القطاعين العام والخاص والقطاع الثالث بهذا العمل، وكذلك الاهتمام بوضع الأنظمة التي توفر البيئة المناسبة لتطور هذا العمل والتوسع فيه وزيادة الإقبال عليه ومن ذلك اشتراط الجامعات على طلبتها أن يؤدوا عددا محددا من ساعات التطوع باعتبار ذلك شرطا من شروط التخرج، ومتابعة تقييم أداء المتطوعين، بل إن كثيرا من المؤسسات في كافة القطاعات أخذت تخصص سجلا توثق فيه المشاركات التطوعية لمنسوبيها واحتسابها ميزة تنافسية تحسب لهم في حالات الترقية والترشيح للمناصب القيادية وغير ذلك من الحوافز. ولا شك أن قطاعات عديدة من المجتمع تقع عليها مسؤوليات في دعم العمل التطوعي وترسيخ ثقافته والدعوة إليه والتعريف بمجالاته بين كافة فئات المجتمع، وفي مقدمة هذه الجهات الأسرة، حيث ينبغي للوالدين أن يربوا أولادهم على العمل التطوعي بدءا بأداء الأعمال البسيطة التي تناسب قدراتهم وأعمارهم والتدرج في ذلك ليعتادوا عليه ويصبح مألوفا لديهم إذا كبروا، وكذلك فإن المؤسسات التعليمية -مدارس وجامعات- فإنه يقع عليها الدور الأهم في غرس قيم التطوع وترسيخها في نفوس الطلبة وتزويدهم بالمهارات التي تمكنهم من أداء الأعمال التطوعية بكفاءة، أما دور المسجد في هذا فهو دور تاريخي مستمر، وينبغي أن يواصل رسالته بالتوافق مع روح العصر والارتكاز على ثقافة التطوع التي كان الإسلام سباقا لها منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، بل إن هذه الثقافة هي من تراث مجتمعاتنا، حيث اعتادت المجتمعات العربية على الفزعة لمساعدة الآخرين عند الاحتياج سواء في الأفراح أو الأتراح وفي الأعمال التي يحتاج فيها الإنسان لمساعدة غيره في إنجازها. إن مشاركة المرأة في الأعمال التطوعية والتي نلمسها اليوم هي من الأمور التي تبعث على السرور لأنها من جهة امتداد للدور التاريخي والإنساني للمرأة على الدوام، وهي من جهة أخرى دليل على وعي المرأة السعودية بدورها الإنساني والوطني، خاصة أن هناك من الأعمال التطوعية ما يحتاج القيام به من قبل المتطوعات تبعا للبيئة التي يؤدى فيها وكذلك طبيعة الفئات المستهدفة بهذا العمل، ولذلك فإن الجهات المنظمة للأعمال التطوعية مطالبة بتشجيع الفتيات على الإقبال على المشاركة في الأعمال التطوعية، كما أنها مطالبة بتوفير بيئة العمل المناسبة التي تراعي خصوصية المرأة وقدراتها. ومما لا شك فيه أن تقديم الأفكار والمبادرات التطوعية المبتكرة من أهم الأعمال التطوعية وأجداها وهي أضعف الإيمان.