يجب أن يكون مزارعو الهند هم أسعد الناس في العالم، فلعقود من الزمان وفرت لهم الحكومات المتعاقبة العديد من الامتيازات بما في ذلك الإعفاء الضريبي الشامل وإعانات للأسمدة والبذور والطاقة والمياه، إلى جانب توفير قروض منخفضة الفائدة ودعم أسعار أكثر من 20 محصولا. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت السلطات أكثر سخاء فمنذ عام 2014 تنازلت فيما لا يقل عن ثماني ولايات عن إجمالي ما يزيد على 25 مليار دولار من الديون. وبحسب تقرير لمجلة «الإيكونومست» البريطانية، فقد وعد «ناريندرا مودي» رئيس الوزراء الهندي قبيل انتخابه بمضاعفة دخل المزارعين بحلول عام 2022، وأعلن مؤخرا عن حزم دعم جديدة تشمل رفع أسعار الحصاد القادم، وتعهد بأن تدفع الحكومة من الآن فصاعدا 150٪ من تكلفة مدخلات الزراعة مما سيضمن ربحا جيدا. كيف يمكن إذن أن يتحدث الخبراء عن أزمة مزمنة وعميقة في قطاع الزراعة، كان من مظاهرها تردي أحوال المزارعين وتزايد غضبهم أكثر من أي وقت مضى؟! ويقر التقرير بأنه بالنسبة ل 90 مليون أسرة هندية والتي تعتمد على الزراعة لكسب رزقها فإن الصورة قاتمة وليست وردية؛ فعلى الرغم من ارتفاع العوائد التي جعلت من الهند أكبر منتج في العالم للحليب، والبقول، والقطن، والموز، والمانجو، وكذلك ثاني أكبر منتج للأرز والقمح، إلا أن هذا القطاع لا يزال ينطوي على مخاطر عالية بشكل هائل للجميع. ومع استثناء جزء بسيط من المزارعين فإن الغالبية العظمى منهم تحقق عوائد منخفضة بشكل مزعج. ولا تكاد دخول المزارع تبلغ ثلث الدخل غير الزراعي على الرغم من أن نصف الهنود ما زالوا يكدون في العمل الزراعي، إلا أن حصة نشاطهم من الناتج المحلي الإجمالي قد تراجعت بشكل مطرد. ويعلل التقرير ذلك الوضع بعدة أسباب، ومنها: أنه منذ صدور قانون إصلاح الأراضي الذى قسم الولايات الكبيرة في الخمسينيات من القرن الماضي، استمرت قوانين الوراثة المتساوية في تقليص حجم المزارع. ومنذ الستينيات تراجع متوسط حجم الحيازة الزراعية الواحدة من 2.6 هكتار (6.4 فدان) إلى 1.1 هكتار بما يساوي ملعب كرة القدم مرة ونصف فضلا عن الاعتماد الشديد على الأمطار الموسمية المتغيرة مما يجعل العائدات متقلبة. وأما السبب الثالث فهو: تراجع أسعار السلع الزراعية مما يقلل العائدت في كثير من الأحيان. ويضاف إلى ذلك فشل رهان الحكومة في أن الإرشادات الزراعية عبر الهاتف المحمول ستساعد المزارعين في اتخاذ قرارات أفضل بشأن ما يزرعونه، ولكن في كثير من الأحيان جعلت الكثير من المزارعين يراهنون على زراعة نفس المحاصيل فيزداد المعروض وينخفض السعر. وفي العام الماضي اقترحت حكومة ولاية تيلانجانا زراعة الفلفل الحار بسبب ارتفاع سعره فأخذ الكثيرون بالنصيحة فانهار سعره. ويعترف التقرير بأن الحكومة تحصل ضرائب باهظة على بيع الأراضي، وهذا هو أحد أسباب الفشل في توحيد الحيازات للأراضي. كما أدت الإعانات إلى الإفراط في استخدام الأسمدة مما يضر بالتربة ويلوث المياه. ومع تدفق القروض والتأمين على المحاصيل للمزارعين الأكثر تعليما تركت السلطات الآخرين تحت رحمة المرابين. وتظهر الدراسات الاستقصائية أن نسبة ضئيلة من المزارعين في معظم أنحاء الهند تدرك وجود هذا التأمين أصلا، ومعظم القروض الزراعية تكون قصيرة الأجل وتستخدم على نطاق واسع لتوفير النفقات الأسرية قبل الحصاد بدلا من توجيهها للاستثمار. ويقول التقرير: إن دعم السعر لتشجيع زراعة محاصيل الأرز والقمح وقصب السكر يغطي معضلة أخرى وهي العطش، وهي مسألة خطيرة في بلد يعاني نقص إمدادات المياه، حيث انخفض منسوب المياه الجوفية في ولاية البنجاب على سبيل المثال وهي ولاية تستحوذ على حصة كبيرة من إعانات دعم الأسعار. وفي النهاية لم يفلح دعم الأسعار بحسب دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على مدار العقدين الماضيين في رفع قيمة المحاصيل للمستوى الدولي؛ بسبب الحظر على الصادرات لبعض المحاصيل والفشل في الاستثمار في البنية التحتية اللازمة وضعف الإدارة. دخول المزارع تبلغ ثلث الدخل غير الزراعي على الرغم من أن نصف الهنود ما زالوا يكدون في العمل الزراعي إلا أن حصة نشاطهم من الناتج المحلي الإجمالي قد تراجعت بشكل مطرد. كما أن 90 مليون أسرة هندية تعتمد على الزراعة لكسب رزقها