احتفلت منظمة التجارة العادلة العالمية في السبت الماضي باليوم العالمي للتجارة العادلة وهو مهرجان عالمي شامل يهدف إلى تسليط الضوء على دور التجارة العادلة في التنمية المستدامة، ولا سيما ما يتصل بالتمكين الاقتصادي لصغار المنتجين، والمساواة بين الجنسين في أماكن العمل، وممارسات الإنتاج المسؤولة. وتسعى منظمة التجارة العادلة العالمية التي تأسست في عام 1989، من خلال هذا الاحتفال السنوي الذي يوافق السبت الثاني من شهر مايو إلى التأكيد على أن التجارة يجب أن تفيد الفئات الأكثر ضعفاً وأن توفر سبل العيش المستدام عن طريق تهيئة الفرص لصغار المنتجين. والفكرة الأساسية هي أن المنتجين في الدول الفقيرة، والمستهلكين في البلدان الغنية، يستطيعون تلبية احتياجات بعضهم البعض عن طريق التجارة، بحيث يمكن إعادة تشكيل الأسواق وفق هذه الصيغة التعاونية. ويتساءل التقرير المنشور على موقع (كوب نيوز) الإخباري التعاوني حول إمكانية تطبيق تلك القواعد ونماذج الأعمال التجارية على الاقتصاد برمته، وهل سيفضي ذلك إلى اقتصاد تجاري عادل؟ ويقول التقرير، إن 80% من الثروات الجديدة في العام الماضي ذهبت إلى أغنى 1% من سكان العالم. وفي الوقت نفسه لم يحصل 3.7 مليار نسمة وهو يشكلون النصف الأكثر فقراً من البشرية على أدنى قدر من هذه الثروة المضافة. وينوه التقرير إلى أن الاقتصاد الدولي لا يعمل كما ينبغي، فرغم النمو والأرباح القياسية، يوجد ركود في الأجور وتفاوت متصاعد بين الجنسين. وبالتالي فهناك حاجة ماسة إلى أفكار مبتكرة، إلى جانب ما توفره التجارة العادلة من نتائج مضيئة في هذا الصدد يقترح التقرير ثلاث إستراتيجيات كي يمكن تحقيق هذه الرؤية. ويأتي في مقدمتها تغيير شروط التجارة، وهي الشروط الحاكمة للتبادل التجاري حيث يقود المال الأسواق. كما تضم طريقة تعامل الشركات مع بعضها البعض، عندما يشترون ويبيعون المنتجات أو الخدمات وصولاً إلى المستهلكين. فإذا أدت أسواق الكاكاو والبن على سبيل المثال إلى نشوب صراع بين المزارعين بعضهم البعض، بمكافأة من ينتجون نوعية محددة بأقل الأسعار، فإنها بذلك تخلق الظروف التي تقود الناس إلى براثن الفقر، في حين أن الطريقة التي تجرى بها التجارة قد تحدد مدى إمكانية حصول الأشخاص الذين يعتمدون عليها إلى مستوي معيشي لائق. ويقترح التقرير أن يكون البديل تجارة عادلة قوامها التعاون والعلاقات الطويلة الأجل. ويشمل ذلك التسعير العادل، والالتزامات طويلة الأجل، والشفافية، والشراكات الحقيقية لسلاسل التوريد. وفي هذه الأجواء ستعمل المؤسسات التجارية العادلة على بناء علاقات طويلة الأجل مع بعضها البعض، حيث تدفع أسعارا عادلة، وفي وقت مبكر، وتسعى في الوقت نفسه لتحقيق فوائد لصالح المنتجين. وهذا الطرح يتناقض بالكلية مع الأساليب التجارية الراهنة حيث يهتم الجميع بتعظيم الأرباح عن طريق خفض التكاليف من خلال التعامل التجاري علي المدى القصير، ودفع المخاطر نحو الطرف الأضعف مقابل سحب الربحية نحو الأطراف الأقوي. وأما الاستراتيجية الثانية فهي توسيع الملكية الاقتصادية. فلكي تزدهر الممارسات التجارية الجديدة، يجب تغيير شكل الأعمال التجارية العاملة في الاقتصاد. وبحسب التقرير العالمي لعدم المساواة، فإن ظاهرة عدم المساواة الاقتصادية غالباً ما تكون ناجمة عن عدم المساواة في ملكية رأس المال. فإذا كانت المكاسب التجارية تذهب إلى أولئك الذين يستثمرون ماليا، بدلا من أولئك الذين يشاركون ويستثمرون بطرق أخرى لإنجاح الأعمال التجارية، فإننا بذلك نكرس ظاهرة عدم المساواة. ويقترح التقرير بديلا أكثر عدالة حيث تُملك وتُدار الشركات بأسلوب ديمقراطي بمعرفة الأشخاص العاملين بها، وبالتالي تنتشر الثروة ويعم الازدهار. وتتصل الإستراتيجية التالثة بمنح مجموعة جديدة من الحقوق للقوى العاملة. ومن بين الأمثلة على الأعمال التجارية العادلة مشروعات الحرف اليدوية الإبداعية في الهند المملوكة للعمال، والتي تعمل وفق هيكل يتمتع فيه العمال بالسلطة وبصوت مسموع داخل هذه المؤسسات. وهو ما يعني بالجملة تحقيق الديمقراطية الاقتصادية. ولكن مما يرثى له أن اقتصاد اليوم يسير في عكس ذلك الاتجاه نحو تكريس سلطة الشركة بعيدا عن أولئك الذين يعملون. وينتهي التقرير إلى أن هناك المئات من المنتجات التجارية العادلة علي رفوف المتاجر الكبرى الاوروبية، فضلا عن شبكات تجار التجزئة التجارية العادلة، علاوة على 2.9 مليون مشروع تعاوني في جميع انحاء العالم. ويتنبأ التقرير بأنه لو استوعب الاقتصاد العالمي المزيد من مؤسسات التجارة العادلة بحيث تحولت السياسة الاقتصادية والتجارية من مكافأة المستثمرين واستيعاب الأعمال التجارية الكبيرة إلى توسيع الملكية وتبني شروط تجارية عادلة فيمكننا ساعتها التحول إلى كوكب أكثر مساواة وأقل فقراً وأكثر صحة.