الاقتصاد الريعي يعتمد على دخل وحيد كمصدر أساس للدخل، وينعكس ذلك على الآثار السلوكية على القطاعات الاقتصادية سواء أكان قطاعاً خاصاً أو قطاعاً عاماً، مما ينعكس أيضا على سلوك المواطنين، ما يجعل المجتمع ريعياً هشاً، سهل الانهيار، وهو نظام اقتصادي غير مستدام، بسبب أن الاقتصاد الريعي يكون بعيداً عن عمليات إنتاج، أو عمليات تصنيعية تحويلية. الاقتصاد الريعي اقتصاد بعيد أيضاً عن اقتصاد الدولة، والبعض يسميه بالاقتصاد الافتراضي، أو النقيض للاقتصاد الإنتاجي، بينما اقتصاد الرفاء الاجتماعي، أو دولة الرفاء الاجتماعي، يعتمد على التنمية الإنسانية، ومحاولة تعظيم المكاسب الليبرالية السياسية، ويتغلب في نفس الوقت على طغيان الليبرالية الاقتصادية المتوحشة، أي دمج مفاهيم العدالة الاجتماعية مع الليبرالية السياسية. نجاح تلك الإستراتيجية تتحقق مثلاً عندما ينخفض عدد طلبات إعانة البطالة، فمثلاً في الولاياتالمتحدة اقتربت من أدنى مستوى له في 42 عاماً مع استمرار تحسن أوضاع سوق العمل منذ عام 1973، بل إن الولاياتالمتحدة حذرة من تزايد عدم المساواة في الدخل، بل نجد أن المرشحة كلينتون تتعهد ببذل مزيد من الجهد لفرض ضوابط على (وول ستريت) بينما ينتقد مسؤولون زوجها كلينتون الذي أشرف في فترته على رفع القيود التي يقول النقاد إنها لعبت دوراً في التسبب في الأزمات المالية عام 2008. وهناك نقاد ينتقدون هيلاري لعدم دعمها إعادة تفعيل قانون (غلاس ستيغال) لعام 1933 الذي فرق بين المصارف الكبيرة وجرى تفكيك (غلاس ستييغال) جزئياً خلال إدارة زوجها، لذلك سحبت كلينتون دعمها للشراكة عبر المحيط الهادي، وهي اتفاقية تضم 12 دولة ناصرها أوباما، وأيدتها كلينتون أثناء وجودها في وزارة الخارجية، كل ذلك من أجل الحفاظ على دولة الرفاء التي تهتم بالطبقة الوسطى، ورعاية الطبقة الفقيرة، وتقتصر في فرض الضرائب العالية على الطبقة الغنية. الاقتصاد الريعي يؤدي إلى هدر واستنزاف ثروات الدول، وإلى حدوث تشوهات هيكلية في اقتصاد الدولة، الذي ينتج عنه الاقتصاد الخفي يفشل كثيراً من الإستراتيجيات التي تولتها الدولة، مثل توطين العمالة المحلية، وتوطين محلات المستلزمات النسائية، نتيجة اعتماد الاقتصاد المحلي على العمالة الوافدة غير الماهرة، والتي تعمل بأسماء سعودية خصصوا في سوق التجزئة، مما خلق سوق قرصنة العمالة الوافدة. وإن كان يجب عدم المبالغة كثيراً بأن اقتصاد السعودية اقتصاد ريعي، بل إن اقتصاد السعودية ليس حديث عهد بالتطوير والإصلاح، وأن يوصف ارتباطه بمورد واحد هو النفط، فيه شيء من المبالغة، وتجاهل حقيقة الاقتصاد السعودي، وثقله على المستوى المحلي والخليجي، رغم ما يشوبه من تشوهات هيكلية.. وسبق أن خطت السعودية منذ زمن خطوات واسعة في كثير من الصناعات التحويلية والبلاستيكية التي لا يمكن تجاهلها، لذلك لا يمكن وصف الاقتصاد السعودي بالريعي على المطلق، ما يعني تجاهل كثير من التطورات التي مر بها الاقتصاد السعودي تنويعاً واستثماراً، ما أهّله ليكون ضمن مجموعة ال20. رغم ذلك نحن نناقش حدوث نجاحات محدودة في العديد من الإستراتيجيات التي تبنتها العديد من القطاعات نتيجة خلل هيكلي في الاقتصاد، مثل محاولات هيئة كفاءة الطاقة في التغلب على خفض هدر الطاقة، بسبب وصول عدد المركبات المسجلة في السعودية إلى 17.54 مليون مركبة بنهاية عام 2014 بمعدل 2.3 مركبة لكل مشترك في خدمة الكهرباء، و80.8 مركبة لكل 100 فرد فوق 15 سنة، و29 في المائة من المركبات المسجلة في السعودية ذات دفع رباعي، وهي سيارات غير مرشدة للوقود، تسببت في ازدحام المدن وتكدس السيارات في الطرقات نتيجة رخص أسعار الوقود، وكذلك بسبب غياب النقل العام، وقلة الخيارات المتاحة في وسائل النقل الرخيص الذي يقود إلى التقليل من عدد السيارات. رفع أسعار الوقود المحدود يقود إلى انخفاض أسعار السيارات الكبيرة، ومحاولة اشتراك أكبر عدد ممكن في الركوب في سيارة واحدة، خصوصاً من الطبقات الفقيرة، أو التنقل عند الضرورة، مما يساهم في ترشيد استنزاف موارد الدولة، ويعالج أزمات نتجت عن زيادة أعداد السيارات، ولكن مع سرعة تنفيذ مشاريع النقل العام. الاقتصاد الريعي جعل الاقتصاد السعودي يبقى اقتصاداً محلياً يعاني تشوهات في هياكله الاقتصادية، يعتمد القطاع الخاص على اقتصاد الامتيازات، مما جعله اقتصاداً طفيلياً غير قادر على بناء قاعدة صناعية لمنتجاته التي يروّجها عبر عقود عبر وكالات، أي اقتصاد لا يخضع لمعايير المنافسة مكبل بقيود الاحتكار. ارتبط القطاع الخاص بشكل وثيق بأسواق النفط، والرهان على الميزة النسبية بمفردها لا ينهض بالاقتصادات وهو يساهم في الاقتصاد غير النفطي بنسبة 40 في المائة، بينما في إجمالي الاقتصاد بنسبة 28 في المائة وهو يمثّل 50 في المائة من جملة المشروعات القائمة في السعودية، لكنه يُشكّل 97 في المائة في أمريكا، وفي الصين نحو 80 في المائة، وهو المحرك الأساس للنمو الاقتصادي، ومشارك في تقليص البطالة. لذلك كانت نسبة مساهمة الصادرات غير النفطية 34 في المائة من الواردات السلعية عام 2014 أي 221 مليار ريال من مجموع واردات 652 مليار ريال، بينما وصلت الصادرات الخدمية إلى 15 في المائة فقط بنحو 44 مليار ريال من إجمالي واردات 290 ملياراً، بينما وصلت الصادرات السلعية غير النفطية في عام 2015 إلى 163.5 مليار ريال بنسبة 27 في المائة من إجمالي إيرادات الدولة البالغة 608 مليارات ريال، فيما تمثّل الإيرادات النفطية 73 في المائة تمثّل 444.5 مليار ريال. ومبيعات سابك لا تتجاوز 60 - 70 مليار دولار رغم أنها تنوي أن يتضاعف إنتاجها خمسة أضعاف عام 2020، لكن الصين أكبر منتج ب750 مليار دولار، والولاياتالمتحدة ب500 مليار دولار، واليابان ب200 مليار دولار، وهي دول لا تمتلك ميزة نسبية، ولكنها تمتلك ميزة تنافسية. لذلك نجد أن سابك أنفقت على البحث العلمي عام 2013 نحو 0.34 من إيراداتها، بينما شركة باسف تنفق 2.34 من إيراداتها، بل هناك شركات أخرى تنفق 7 في المائة من إيراداتها، ما جعلها تمتلك الميزة التكنولوجية، لكن سابك تنتقل من المرحلة الانتقالية التي تعتمد على الميزة النسبية إلى المرحلة التنافسية والتوجه نحو التخصص الشديد، بل حتى أرامكو تمر بمرحلة تحول عميقة وإعادة هيكلة العديد من قطاعاتها من أجل التعايش مع مرحلة ستكون نسبة النمو الاقتصادي فيها عالية، لكن ليست بالدرجة التي كانت عليها سابقاً من أجل ترسيخ مجموعة من المفاهيم النوعية. السعودية قوة جذب اقتصادية، ومركز ثقل اقتصادي تنافسي بسبب أنها تمتلك ميزة نسبية تؤهلها إلى أن تمتلك الميزة التنافسية لأنها تمثل شريان العالم التجاري، لذلك أدرك تلك الحقيقة الملك سلمان وصمم على إخراج الاقتصاد السعودي من المحلي إلى العالمي عبر تحرير تجارة التجزئة ووقّع شراكة إستراتيجية للقرن الواحد والعشرين سُميت بالشراكة المتجددة عن طريق ربط القطاع الخاص الأمريكي بالسعودية لعقود طويلة. خصوصاً وأن الاقتصاد الجديد يمتلك ديناميكية متسارعة تعتمد على التقدم التكنولوجي وإزالة الحدود، وهي شراكة لا تكتفي بالتبادل التجاري بل تنقل التقنية للإسهام في توفير مزيد من فرص العمل النوعية للقوى العاملة السعودية التي أصبحت تحدياً أمام توطين العمالة الوطنية، وحسب تقرير البنك الدولي الذي أشار إلى أن العمل الحر يُشكّل جزءاً ضئيلاً من مجموع العاملين يعملون لحسابهم الخاص في السعودية تصل إلى 8 في المائة، ولكنها في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذات الدخل المرتفع مثل السعودية ما يقارب 16 في المائة. المنشآت الصغيرة والمتوسطة تمثّل 83 في المائة من إجمالي الصناعات، ولكن باستثمارات 3.9 في المائة بقيمة 8638 مليار دولار في دول الخليج عام 2011 منخفضة من 12740 مليار دولار عام 2002 تمثّل نسبة 8.9 في المائة. الملك سلمان يقود تحولاً اقتصادياً جذرياً اقتصاداً سعودياً حراً بخطى عالمية، وولادة جديدة لمفهوم الاقتصاد الداعم للقطاعات البديلة للنفط، وفتح السوق أمام الشركات العالمية، وتكون الأولوية للشركات المصنّعة. الدولة تتجه نحو قيادة ثلاثة مسارات في آن واحد، وهي السياسة النقدية والنفطية والاقتصادية، خصوصاً ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية التي تتعلق بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والانتقال إلى عصر الصناعة ضمن إستراتيجية التنمية المستدامة وصناعة الخدمات والواردات. تتجه الدولة إلى تنويع الاقتصاد والتركيز على الصناعات التعدينية بمختلف مراحلها بدءاً من الاكتشافات إلى الاستغلال ثم التصنيع كركيزة ثالثة في الاقتصاد السعودي بعد البترول والبتروكيماويات، بل ستتفوق عليها مستقبلاً. السعودية ترتكز على قوة اقتصادية ومالية كبيرة تجعلها أكثر مرونة في تجاوز الأزمات مع هدف لرفع متانة الاقتصاد السعودي وتنوعه أمام الاقتصادات العالمية الكبرى، خصوصاً أن السعودية إحدى الدول في مجموعة العشرين، وهي الدولة العربية الوحيدة. تقود الدولة التحول الوطني إستراتيجياً في مداه وطموحه، إذ يتأهب للإبحار في مرحلة جديدة، وتسعى تلك الإستراتيجية للقفز فوق محابس تبعية النفط والريع والدخول في العصر النفطي الثاني ونقله من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي منهج إصلاح وتدرج في التغيير والتطوير، وهو تحول وطني من الرعوية إلى التنموية، بأن تصبح مؤسسات المجتمع شركاء مع الدولة في التنمية. تلك الطموحات تتحقق من خلال إعلان برنامج تطلعات باقتصاد متنوع ومنافس والبحث عن إيرادات مستقرة بعيداً عن إيرادات النفط المتقلبة، ما يعني أن ميزانية عام 2016 تحمل في ثناياها رفع كفاءة الإنفاق، ومواجهة انخفاض أسعار النفط بالانضباط المالي، ولكن باحتياطيات ضخمة، ودين منخفض، ومعدل تضخم متراجع إلى 2.2 في عام 2015، لرسم اقتصاد المرحلة المقبلة، وهي ميزانية لا تميل إلى التقشف، بل إلى الإنفاق على المشروعات الأكثر أهمية وبناء الإنسان، إذ تُقدر الميزانية إنفاق بواقع 840 مليار ريال انخفاضاً من 975 مليار ريال في 2015 وكانت الميزانية الأصلية تقدر الإنفاق بواقع 860 مليار ريال. تهدف ميزانية عام 2016 إلى خفض العجز إلى 326 مليار ريال، بينما تقدر الإيرادات بواقع 514 مليار ريال انخفاضاً من 608 مليارات ريال عام 2015، استحوذ القطاع الأمني على نصيب الأسد للعام الجديد بإجمالي 213 ملياراً و367 مليون ريال نتيجة ما تمر به المنطقة من تحديات أمنية، والحرب التي تقودها السعودية في اليمن ضد الانقلابيين المدعومين من إيران، يليه قطاع التعليم والتدريب والقوى العاملة بمخصصات 191 ملياراً و659 مليون ريال ثم قطاع الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية بمخصصات 104 مليارات و864 مليون ريال. ستكون الخصخصة أول ملامح السياسات الجديدة لترشيد الإنفاق الحكومي، نجد أن وزير التعليم د. أحمد العيسى أعلن عن خطة إستراتيجية لخصخصة بعض المشاريع الجامعية. والدولة حريصة على أن تكون سوق الأسهم محورية لتحقيق التحول الوطني للاقتصاد الوطني حتى تكون قادرة على استيعاب تحويل الشركات العامة إلى خاصة، واستيعاب مزيد من شركات القطاع الخاص، خصوصاً بعدما قطعت هيئة سوق المال خطوات جيدة في وضع العديد من الضوابط التي تمنع التلاعب بسوق المال، وضبط تقييم الشركات، التي أعاقت تلك التقييمات المرتفعة من الاندماجات في السوق السعودي.