كلُ واحدٍ في هذه الحياة الدنيا قد تجرع كأس الفراق، وذاق علقم الفقد، ولوعة الوداع، وسكب دموع القلوب قبل العيون. كأسُ الفراق مر، ولكن هذه هي الدنيا، مهما عمر الإنسان فيها فمصيره إلى التراب ومفارقةِ الأهل والأصحاب والأحباب. ساعة الفراق، كل يعبر عما يجيش في نفسه بطريقته، أما المحبون فتتحول دموعهم إلى الرضا بقضاء الله وقدره والدعاء أن يغفر لميتهم مراثيهم مبكية، حروفُها الأحزانُ، وسِفرها قلب مُضن، وقافيتها اللوعة والأسى، وبحرُها من فيضانات العبرات.. وصار الليلُ مُشتمِلا علينا *** كأن الليل ليس لهُ نهارُ لا شك أن حسن المعاملة واجب شرعي، دعا إليه ربنا بقوله جل شأنه: «..وقُولُوا لِلناسِ حُسنا..» وقول النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، وليسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلُق»، فكان القول الحسن وانبساط الوجه هو ما وجدناه في المهندس يوسف بن أحمد الصالح، الذي وافته المنية قبل أيام، وقد أخذ من اسمه نصيبا رجل صالح صاحب قلب مخموم، وعطاء متواصل، ابن عمتي واخي الكبير، والصديق الوفي رجل المواقف، محب للناس، ومحبوب بين الخلق، محافظ على الفجر، يصوم الإثنين والخميس، له ابتسامة دائمة، وتعامل حسن، وخلق رفيع، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. ولقد أراكِ كسيتِ أجمل منظرٍ *** ومع الجمالِ سكينة ووقارُ أوصى أبناءه قبل مرضه الأخير بالرضا بالقضاء والقدر، وعدم الجزع واتباع السنة الصحيحة عند مصيبته، وحثهم على الإحسان وأثنى عليهم خيرا لبرهم به وبوالدتهم وعلى حسن تعاملهم. علو في الحياة وفي المماتِ! *** لحق أنت إحدى المكرماتِ المهندس يوسف الصالح ولد في الكوت وعاش في المبرز وتخرج في ثانوية الهفوف ثم جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وعمل في تعليم الأحساء ثم جامعة الملك فيصل ثم مديرا لمصلحة المياه وعضوا منتخبا في المجلس البلدي ونائبا للجنة الأهلية بالمبرز، وشارك في العديد من البرامج الوطنية، وكان مثالا للمسؤول الناجح والأب الحاني الباذل لدينه ووطنه ومجتمعه. محبا لقيادته، تولى مناصب عدة ظل متواضعا مع الناس لم تتغير سجاياه. كان -رحمه الله- قدوة في الخير، أمينا في عمله، صالحا في نفسه، مصلحا لغيره، سببا في جمع القلوب وحفظ أسرار بيوت الكثير، بارا بوالديه، يشهد له كل مَنْ عرفه، بنى مسجدا لأمه وعاش حتى منيته تحت ظلال والدته -شفاها الله- يطببها ويعتني بها ويتابع صحتها ويقوم بواجبها، خافضا جناحه لها، ضحى بالكثير من أجلها. وبالرغم من كثرة الأعباء والأشغال عليه إلا أنه كان حريصا على بيته، مخلصا لزوجته، واصلا رحمه، محبا لأسرته، معينا لأنجاله، موجها لأحفاده، أحسن تربية أبنائه، محل ثقة الآخرين، مرض فصبر يردد الحمد والشكر، هنيئا له بدعوات الناس، وبهذه الجموع التي صلت عليه، وحضرت لتعزية أهله، فأنتم شهداء الله في أرضه. لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.. عاش مبتسما ومات مبتسما اللهم اغفر له وارحمه.. وأعظم الجرحِ جرح لا ضماد له *** فالموت حق وكل الناس تخشاهُ