يحتفل أهالي المنطقة الشرقية هذه الأيام بمناسبة شعبية تسمّى (القرقيعان) وهي مناسبة اجتماعية أبطالها أطفالٌ يجوبون الأزقة والشوارع بلباس شعبي وبأكياس مخصّصة لهذه المناسبة، يطرقون الأبواب طلبًا للحلوى والمكسرات، ويدعون لأهل البيت بالرزق والصلاح.. الجدير بالذكر أن هناك مَن يرى أن القرقيعان عادة شعبية اجتماعية هدفها إدخال الفرح والسرور في قلوب الأطفال وأنه لا إشكال في إقامته، ولكن المقابل هناك الكثير من العلماء وطلبة العلم يقفون موقف الرافض لهذه العادة السنوية معللين رفضهم بأن هذه المناسبة من الأعياد المبتدعة والمخترعة التي لا أصل لها في الإسلام مستدلين بقول النبي «صلى الله عليه وسلم»: (وكل بدعة ضلالة).. ومن خلال هذه الصفحة نناقش هذا الحدث الموسمي الذي يهتم به شريحة كبيرة من سكان المنطقة الشرقية والخليج العربي. «عطونا الله يعطيكم» (قرقيعوه قرنقاعوه.. عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يودّيكم).. هذه الأهازيج تغنى بها مطر السند 61 سنة في طفولته وها هو اليوم ينظر إلى أحفاده وهم يتغنون بها وهم يجوبون «فرجان» جزيرة دارين.. يقول مطر: منذ أن وعيت على هذه الدنيا حتى هذا اليوم وأطفال جزيرة دارين يحتفلون بمناسبة القرقيعان في كل عام والتي تقام في ليلة 15 من رمضان، ففي هذه الليلة يجتمع الأقارب والأصدقاء من كل مكان ويستعد الأطفال للقرقيعان بملابس خاصة من التراث الشعبي الشرقاوي، فالأولاد الصغار يلبسون الثوب والسديري والطاقية وبعض الأحزمة، أيضًا تحرص البنات الصغار على لبس (البخنق) وهو لبس نسائي شعبي ترتديه الفتاة الصغيرة بعد سن الرابعة من عمرها ولا تخلعه إلا بعد الزواج، ويجمع الأطفال الحلويات والنقود في كيس مخصص لجمع القرقيعان. وعن مصدر كلمة قرقيعان يضيف السند: تعود كلمة القرقيعان إلى قرع الأبواب وقيل من الأصوات الصادرة عن الحلوى والمكسرات عندما تقرقع وتتحرك داخل (الكيس) الذي يكون معلقاً على أعناق الأطفال وقيل هي صوت الحجارة البحرية يضربون بعضها ببعض أثناء التجوال فتصدر قرقعة كتعبير للفرح والعرس الجماعي البهيج. العمران: مخالف للشرع وله سلبيات تواصل وتكاتف ويرى خالد الدلهان (38 سنة) أن القرقيعان عادة اجتماعية جميلة لا تمس الأمور العقائدية وإنما هي مناسبة تجمع الأقارب وتدخل الفرح في قلوب الأطفال، حيث قال: يتوافد الأقارب إلى دارين من كل مكان حتى من خارج المنطقة الشرقية لأجل المشاركة في القرقيعان، فهناك بعض الأقارب والأصدقاء لا نراهم إلا في مثل هذه المناسبات الاجتماعية التي تشجّع فينا روح التواصل والتكاتف، وكانت المشاركة في القرقيعان من الطفل الصغير حتى الرجل الكبير، ولكن مع تغيّر الأحوال أصبحت مناسبة خاصة بالأطفال، فهي عادة تراثية تخص أهالي الخليج العربي مثل حفل الجنادرية المستوحى من التراث والذي يقام في كل عام. ويضيف الدلهان: يطوف الأطفال على البيوت بعد صلاة المغرب حتى الساعة الحادية عشرة ليلًا، ومعهم أكياس يجمعون بها الحلوى وهم يرددون الأناشيد التي تخص تلك الليلة، ويخصون الابن الأصغر للبيت الذي يأخذون منه الحلوى بهذه الصيغة ((قرقيعان فلان))، وبعد صلاة التراويح يقوم الشباب بمشاركة الأطفال بضرب الدفوف لهم وتشجيعهم بالأهازيج الشعبية المملوءة بذكر الله مثل: (الحمد لله يا كريم.. والشكر لله يا رحيم.. تهللت مكة وقالت مرحبًا بالزائرين .. مرحبا بك يا محمد والصحابة أجمعين.. هذا الكون منزلنا وعسى الله ينصرنا على القوم الكافرين) ، وأما عن دور البيوت فإنها تستعد لهذه الليلة بشراء المكسرات والحلوى للأطفال الذين يطوفون بها وتنشغل بإعداد الوجبات المتنوّعة. فعل المتسوّلين بندر المصلح (33سنة) له تفسير آخر للقرقيعان، فهو يرى أن أصل القرقيعان مأخوذ من عادة غربية إبان الاستعمار في الخليج، وكانت تسمّى هذه العادة بعيد «الهالوين» وما زال الغرب يحيون هذه العادة في هذا الوقت على حد قوله.. يقول بندر: القرقيعان لا أصل له في الجزيرة العربية بل لا أصل له عندنا نحن المسلمين، فبعد ظهور البترول في الخليج انتقل العديد من الأمريكان للعيش فيه وكانوا يحيون عيدهم بين العرب وأعجب أهالي الخليج بدورهم فيه وجعلوا أولادهم يخرجون مع الأطفال الأمريكان حتى أصبحت عاده عندهم لكنهم غيّروا اسمه إلى القرقيعان؛ لأنهم يقرعون الأبواب طلبًا للحلوى. ويرى المصلح أن هناك آثارًا سلبية مترتبة على هذا العمل، وعلى رأسها تربية الأطفال على سؤال الناس وطرق الأبواب من أجل المال والحلوى ونحوهما، فما الفرق بين فعلهم وفعل المتسوّلين بتجولهم حول البيوت وطرق الأبواب وطلب الصدقات والمعونات والدعاء لأهل البيت بالخير والبركة؟ لماذا لا نكون متحضرين ومتنوّرين وعقلاء ونرفض هذه العادة الاجتماعية والموروث المليء بالقيم الخاطئة والمفاهيم السلبية؟ فهذا له أثر تربوي سيئ على الأطفال، علمًا بأن الكثير توسّع في طرق الاحتفال بالقرقيعان حتى أصبحت ليلة 14 من رمضان ليلة رقص على الطبول في شهر العبادة. ويضيف المصلح: لماذا لا نكافح هذه العادة التي تزرع التسول والاتكالية ونعترف بكل صراحة بأنه موروث لا يقدّم قيمة نافعة، ونغتنم ليالي رمضان في العبادة وتعليم أطفالنا العادات الإسلامية التي تنمّي فيهم الأخلاق الحميدة. القرقيعان بدعة لا أصل لها في الإسلام زرع القيم والأخلاق الصورة التي وصلت لبعض المشايخ وطلبة العلم عن القرقيعان مشوّهة ومحرّفة، هذا ما قاله خالد الجنيد (46 سنة) والذي يرى أن القرقيعان يُعلم الإنسان العطاء والكرم والمشاركة الاجتماعية الجميلة وبث روح الأخوة والتعاون والارتباط.. يقول خالد: للأسف أن مثل هذه المناسبة الإنسانية التي تزرع القيم والأخلاق النبيلة تقابل بالرفض، فالأطفال يتعلمون فيها الحب والألفة والتعاون، ولكن ما وصل للعلماء بأنه يوجد اختلاط وتجاوزات شرعية لا صحة له، فالمشاركون في القرقيعان أطفال لا يتجاوزون سن الثالثة عشرة، وأما بالنسبة للرجال فغالبًا يجتمعون في الدواوين حتى ينتهي الأطفال من فرحتهم. ونبّه الجنيد إلى أنه في الوقت الحالي أصبح الناس يتوافدون من كافة مدن المنطقة إلى الأحياء التي يُقام بها القرقيعان وقد يثير هؤلاء بعض التجاوزات التي قد تضرّ بسمعة هذا التراث الشعبي. القرقيعان بدعة إبراهيم العمران (32 سنة) يرى أن البُعد عن الشبهات واجب وأن القرقيعان بدعة لا أصل لها.. يتساءل إبراهيم قائلًا: ما الفرق بين القرقيعان وأعياد المسلمين إلا الصلاة؟، إن العيد يشتمل على أمور أربعة الأول: كونه عيدًا يعود كل عام، بموعد محدد معلوم، والثاني: كونه اجتماعًا يجتمع له المحتفلون، والثالث: أنه يُلبس له ملابس خاصة ويتزين له، والرابع: أنه توزع فيه الحلوى والأطعمة الخاصة، وهذه الأربعة موجودة كلها في هذا الاحتفال المسمّى «القرقعان» والذي يكون بمنتصف شهر رمضان المبارك شهر العبادة. ويضيف العمران: إن الهالة التي صنعها القائمون على مثل هذه المهرجانات لا يعون مدى انعكاس هذه الفعاليات على الأطفال، فهي تسير في طريق استشعار الروحانية فيه دون غيره وهذا الأمر مخالف للشرع. مطر السند: القرقيعان مأخوذ من قرع الأبواب.. وهو مصدر فرح للأطفال، خالد الدلهان: الاحتفال بالقرقيعان عادة اجتماعية وليست دينية، المصلح: ما الفرق بين القرقيعان والتسوّل؟، الجنيد: القرقيعان يُعلِّم الإنسان العطاء والكرم والمشاركة الاجتماعية لجنة الإفتاء الجدير ذكره أن لجنة الإفتاء بالمملكة سبق أن أصدرت فتوى بهذا الشأن بفتوى رقم (15532) بتاريخ 24/11/1413ه والذي جاء نصها (فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من المستفتي/ مدير مركز الدعوة بالدمام بالإنابة والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم 5054 في تاريخ 6/10/1413 ه وقد سأل المستفتي سؤالًا هذا نصه: أنه جرت العادة في دول الخليج وشرق المملكة أن يكون هناك مهرجان القرقيعان وهذا يكون في منتصف شهر رمضان أو قبله وكان يقوم به الأطفال، يتجوّلون على البيوت يرددون أناشيد ومن الناس مَن يعطيهم حلوى أو مكسرات أو القليل من النقود، وكانت لا ضابط لها إلا أنه في الوقت الحاضر بدأت العناية بها وصار لها احتفال في بعض المواقع والمدارس وغيرها وصارت ليست للأطفال وحدهم وصارت تُجمع لها الأموال .. ؟ وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء المذكور إجابت عنه بأن الاحتفال في ليلة الخامس عشر من رمضان أو في غيرها بمناسبة ما يُسمى مهرجان القرقيعان بدعة لا أصل لها في الإسلام (وكل بدعة ضلالة) فيجب تركها والتحذير منها ولا يجوز إقامتها في أي مكان.. لا في المدارس ولا في المؤسسات أو غيرها والمشروع في ليالي رمضان بعد العناية بالفرائض الاجتهاد بالقيام وتلاوة القرآن والدعاء .. احتفالات اطفال بيوم القرقيعان