في أجواء الصيف المحببة ببلادنا أحببت أن ابتعد قليلا عن الأرقام «الحقيقية» والنظريات «الجادة» أو حتى المعلومات «الهادفة»، فما كان لي إلا أن أتأمل في بعض الأعراف والممارسات الاقتصادية والعملية التي تطغى على جوانب الأعمال في بيئتنا المحلية، والتي تشكل في مجملها مفاهيم تكاد ترقى لأن تكون نظريات قد تكون صالحة للتصدير، أو لا تكون. هل لاحظت مثلا أن ذلك الشخص الذي يلتصق بالمسئول، أو برجل الأعمال، أو بالمدير، دائما ما يكون صاحب حظوة وحصانة؟ ألم تستغرب أن رأيه دائما ما يكون هو الغالب؟ وأن الثقة العمياء في مرئياته هي السائدة؟ لا غرابة أخي القارئ، فالذنب ذنبك لأنك لم تدرس أو تقرأ عن نظرية اقتصادية مهمة جدا في اقتصادنا الوطني هي (لا حبتك عيني ما ضامك الدهر). فعلى الرغم من عدم كفاءة ذلك الشخص، أو انخفاض مستوى ذكائه أو قدراته، إلا أنه يملك مقوما إداريا واقتصاديا تعجز أنت وعشرة من حملة الدكتوراة على مجاراته، ألا وهو «حب» و «استظراف» المدير أو صاحب القرار. هذا الحب من البديهي أن يكون أعمى بطبيعته، لأنه لو كان غير ذلك لانكشفت عورة ذلك الكائن الطفيلي الذي يقتات على هذه الحظوة. هل لاحظت مثلا أن ذلك الشخص الذي يلتصق بالمسئول، أو برجل الأعمال، أو بالمدير، دائما ما يكون صاحب حظوة وحصانة؟ ألم تستغرب أن رأيه دائما ما يكون هو الغالب؟ وأن الثقة العمياء في مرئياته هي السائدةهذا الإنسان «المحبوب» هو شخص ذو قدر من الدهاء ويعرف كيف تؤكل الكتف، فهلوي بالعامية، ويتمكن بنظرته الثاقبة من معرفة المفاتيح التي تحرك صاحب القرار الذي أمامه، وغالبا ما يكون ذلك عبر سلسلة من التجارب التي يتفحصها بدقة في كيفية تعامل صاحب القرار مع من حوله من الأشخاص. وبمرور عامل الزمن، يتمكن هذا الفهلوي من اختراق عقلية صاحب القرار، ولا بد هنا من أن يحيطه بآراء تثبت بما لا يدع مجالا للشك مدى حرصه عليه ومصالح العمل. ولا تندهش أيها القارئ الكريم من السهولة واليسر المفرط في اتخاذ القرار الاقتصادي أو الإداري أو الاستثماري عندما يتم تمريره من صديقنا المحبوب إلى صاحب العمل، فهو قد عمل كثيرا ليحصل على هذه الحظوة، فيما كنت أنت تستثمر وقتك في أشياء تبدو لك مهمة، كالبحث والتحري والدراسة والتحليل، ولكنها من هذا المنطلق، لا تشكل أية أهمية! فانظر حولك في مصلحتك أو وزارتك أو شركتك أو مؤسستك، لترى كم «محبوبا» حولك والتصق بهم، لعلك من ضيم الدهر تستتر!