هناك مثل شعبي يقال عندما يتحرز القائل ويحذر ويحتاط من مغبة قوله والدخول في المشكلات مع رغبته في استمرارية الوضع القائم المتوافق مع وجهة نظره وفي الوقت نفسه يحتاط لنفسه من خلال اختيار العبارة ذات الدلالة الطيبة ظاهرياً لكن في ذات الوقت هي تحمل معنى آخر ورغبة يوصلها بكل خفاء. هذا المثل الشعبي هو "لا تطيحون في الكابون" وهو تنبيه بعدم التعثر. والكابون مثل الشاكوش أو المطرقة الحالية لكنه خشبي سواء رأسه أو مقبضه، وله رأس كبير تدق به الحبوب لاستخراجها من سنابلها وخاصة الحبوب الصغيرة مثل الكمون والحلبة والرشاد والسمسم وغيرها مما كان في عصر أجدادنا. المهم في الأمر أن الكابون ذا الرأس الكبير والمقبض القصير لو استخدم في ضرب الخصم مع رأسه فلن يسلم، ولا شك أنه لو تخاصم اثنان أو أكثر وحولهم كابون مرمي في الأرض فلا يشك أحد أيضا أن بعض المتخاصمين سيتناوله للهجوم على خصمه أو الدفاع عن نفسه، وعلى هذا سيدخل ضمن الشجار مستجدات ستزيد من المشكلة وستشعل العراك أطول مدة من الزمن لأنها أضافت قوة لأحد الأطراف فسببت الخلل في التوازن السابق. دعونا من هذا ولنأخذ الحديث الحذر من المحللين والاقتصاديين التي تظهر لنا عبر النوافذ سواء في مقالاتهم أو الندوات أو التصريحات أو ما يجري في مواقع الانترنت من حوارات خاصة و مواقع تهتم بالمال والأعمال وربما تخللها توصيات تصريحا أو تلميحاً ونحن الجمهور مستهدفون. فمثل هذه الأقلام بل والأقوال يستخدم أصحابها المثل هذا، المشار إليه سابقاً وأعني أنهم يقولون "لا تطيحون في الكابون". وقصة المثل هي أن اثنين من المتشاجرين حصل بينهم عراك قوي وكان كل منهم ندا للآخر وفي مثل قوته فكان التوازن بين القوتين قد يفضي إلى التوقف فرآهم شخص ثالث وكان يريد أن يدلي برأيه ويلقي بمشورته على أحدهم بأن يستخدم الكابون الملقى حولهم وفي متناول يد من يتنبه منهم، وفي الوقت نفسه لا يريد أن يلحقه ملامة جراء ذلك في كونه يبعث على مزيد من الخصام ويحث عليه، فكيف يفعل وهو عازم على أن يبدي رأيه الذي يؤرقه لكي يقوله وكيف يستتر بعبارة مضمونها سليم لا يحمل تبعات سلبية عليه في المستقبل من جراء التبصر في أجزائها فيحاسب عليها بينما باطنها ليس كما ظهر؟! يريد أن يتقي سمع الرقيب ومقصه ويجعل شيئا يحميه من تحمل المسؤولية، أو بعبارة أخرى يريد التلاعب بالنص لصالحه فلا يوجد عليه ممسك ولا دليل إدانة وبهذا يسلم من الجهات الرقابية. فماذا قال؟! قال لهم العبارة التالية: "انتبهوا لا تطيحون في الكابون". فظاهر الكلمة هو تنبيههم عن الكابون حتى لا يتعثر فيه أحدهم برجله فيؤذيه وهم في عراكهم غافلون عن موضع أقدامهم. لكن في لمح البصر تنبه لذلك أحدهم فأخذه فوسطه رأس خصمه، واستمر العراك لدخول مستجدات غيرت من توازن القوى ، والسبب بلا شك سماع قول القائل . نعود للاقتصاديين، ففي تحليلات وندوات وكلمات الاقتصاديين والمحليين ترد العبارة نفسها لكن بطريقتهم العلمية ، فهم يدلون بكل آرائهم وما يحبون الكشف عنه وعن كل خفايا وقضايا المال والأعمال والشركات والخسائر والأرباح والطريقة المحيطة بذلك بكل شمولها وبكل توصياتها، وبعد أن يدلوا بكل آرائهم يختمون بقولهم: نحن هنا لا نشير بشراء ولا بيع ولا نوصي بشيء فهذا قرار المستهلك، ومن معه رأسه يعرف خلاصه، وهذا قرار فردي شخصي يملكه صاحب القرار وحده، نحن لا نوصي بشيء. نعم إنهم يقولون: (انتبهوا للكابون لا تطيحون فيه) لقد أخذ المستهلكون (الكابون) كما أخذه الهوامير واستمر الوضع في المضاربات ليس بكابون واحد كما هو أصل المثل بل بعدة من كوابين الاقتصاد. ويخرج المحللون والاقتصاديون من العملية كما تخرج الشعرة من العجين والفضل يعود بلا أدنى شك: للكابون. لكن السؤال هنا هو، هل للشفافية التي ننشدها ونتمناها علاقة هي أيضا بالكابون؟! تحياتي للجميع