أقامت جمعية فتاة الأحساء التنموية مؤخرا فعاليات معرض «الأسر المنتجة بالأحساء الذي تميز بتنوع كبير لفعالياته المقامة على أرضه، كما زاد إعجاب الزوار الذين حرصوا على الحضور والمشاركة، وفيما حظيت الفعاليات بحضور نسائي ملفت وكبير ساعد على إنجاحه، حقق المعرض الإنتاج الإبداعي الأسري وهو أحد التوجهات الاجتماعية التي عملت عليها الجهات المختصة في تدعيم ورفع مستوى الأسر المعالة وتحويلها إلى أسر منتجة، .. ومن واقع الفعاليات فقد خصصت الفترة الصباحية في المعرض لطالبات المدارس إذ بلغ عدد المدارس المشاركة فيه 45 مدرسة، فيما بلغ عدد الطالبات الزائرات 600 طالبة حتى الآن، لطيفة العفالق – رئيس جمعية فتاة الأحساء التنموية، ورئيس عام معرض (منتجون) في الأحساء تحدثت عن فعاليات المعرض وأهدافه ورؤاه المستقبلية فقالت : «يهدف معرض «منتجون» إلى مساعدة العائلات في تطوير قدراتهم، والحصول على دخل من خلال تدريب الأفراد وصقل مهاراتهم، إذ يتم التنسيق على تدريبهم عبر ورشات عمل مستمرة تساعد بعض العائلات في تطوير وصقل مهاراتهم في الفنون الحرفية المختلفة، وتحويلها بصورة كبيرة إلى هدف إنتاجي إبداعي»، وحول الفرص والإمكانات التي توفرها الجمعية للمستفيدين أضافت لطيفة : «يوفر مشروع الأسر الفقيرة الذي تتبناه جمعية فتاة الأحساء بالمحافظة للأسر المستفيدة فرصا للتدريب على صناعات منزلية متعددة، كما يوفر لهم كذلك الحصول على الخامات والمعدات اللازمة للإنتاج، بالإضافة إلى معرض (منتجون السنوي) الذي يوفر للأسر المنتجة دعما متنوعا مثل : توفير فرص تسويق منتجات المستفيدات، وكذلك تعريف المجتمع بجودة المخرجات، فضلا عن إيجاد فرص وقنوات واسعة للمردود المالي لتلك الأسر، هذا وتستعد الجمعية خلال الشهر القادم بإطلاق معهد باسم (فتاتي) والذي يمنح شهادة الدبلوم في عدد من التخصصات دعما للأسر المنتجة والمستفيدة، وتمتد الدراسة فيه من ستة شهور إلى سنتين»، واختتمت العفالق حديثها بقولها : «نعمل لدعم الأسر محدودة الدخل لتحسين مواردها الذاتية وتحويلها من أسر معالة إلى أسر منتجة تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطوير الحرف والصناعات المنزلية والمصنعات التقليدية والتراثية، وزيادة قدرتها التنافسية مع المنتجات الأخرى المماثلة في السوق المحلية والخليجية. وتعمل الأسر المنتجة في الأحساء ضمن نطاق مجتمعها المحلي على استغلال الخامات لإعداد المنتجات الحرفية والتي تشمل نقوش الحناء، والخياطة والتطريز، وتصميم الأشكال والمجسمات، وصنع البهارات والتوابل، وإعداد الخبز الشعبي (الرقاق)، وإعداد الحلويات والموالح، وصناعات الخوص، التجميل وتصفيف الشعر ، الرسم بأنواعه وتنسيق الزهور ، وتلوين الفخار، والرسم على القماش ، والإكسسوارات المنزلية ،والبخور والعطور، والتشكيلات الجبسية ، والخط ، والصناديق الخشبية التراثية ،والنحت على الخشب، والتحف الخشبية ، وتلوين المرايا الزجاجية، وصناعة الإكسسوارات النسائية وغيرها الكثير، ومن هذا المنطق سعت جمعية فتاة الأحساء بتدشين معرض (منتجون) للسنة الثالثة على التوالي، إذ يلقى المعرض أصداء جميلة لأهالي الأحساء وزوارها، كما اتسعت أعداد الأسر المسجلة وأصبح الإقبال والمنافسة في إطار الإبداع كبيرة جدا». حياة (اليوم) تواجدت بين أركان معرض منتجون فتجولت تارة بين روائح الأكلات الشعبية، وأخرى بين رائحة أصباغ التلوين وإبداعات الفنون الجميلة، طرف تسمع فيه صوت سف الخوص، وطرف تسمع فيه أصوات الأطفال وترى مواهبهم، فالعين لا تستطيع أن تقف على مسار واحد مما يخطفها من جمال وروعة في أروقة هذا المعرض. بداية التقينا بنوف المحيش وهي احدى المشاركات بالمعرض برسوماتها والتي سبق وأن شاركت في منتجون 2 ولم تتردد في المشاركة في منتجون 3 لما فيه من إكساب للخبرة والتطوير لمهاراتها، وأشارت نوف أن هناك تزايدا في إقبال الناس على الفن التشكيلي، بجانب تعدد طلباتهم ورغباتهم، وأن فئة الرجال أكثر فئة تقبل على شراء اللوحات التشكيلية. هذا ولم يقتصر ركن الفن التشكيلي على المشاركات النسائية بل تخللها مجموعة من الشبان الذين اتخذوا لهم ركنا من أركان المعرض حيث تجمهر الزوار حولهم لما يتمتعون به هم الآخرون من فن وإبداع وتنوع, ولنا في مشاركة أحمد البوخضر الدليل على ذلك إذ اتخذ أحمد المدرسة التشكيلية (الواقعية) منهجا لرسم لوحاته فيما اتخذ حسين السماعيل المدرسة التشكيلية (السريالية)، أما مؤيد الزيد فقد اختار لنفسه الرسم بالإكريليك، وأوضح جميعهم لنا أنهم حضروا للمشاركة ولتعريف الناس بهم حيث ان هذه المشاركة تعتبر الأولى لهم، واعتبروا أن إتاحة الفرصة لهم تعد دافعا وعنصرا مشجعا لهم لتنمية قدرتهم الإبداعية، مع تأمين فرصة الدخل الاقتصادي لهم، مؤكدين أن الفرصة الكبيرة لهم هي اللقاء بالمجتمع الذي يتيح لهم فرصة تسويق منتجاتهم الفنية ونشرها بشكل أفضل أمام الناس والزوار، مقدمين شكرهم للقائمين على معرض منتجون والجهود التي يبذلونها للأسر المنتجة . وفي الطرف الآخر من المعرض هناك ركن القهوة والأكلات الشعبية لتحتل (العصيدة) نصيب الأسد في الطلب نظير ما تتمتع به من شعبية في فصل الشتاء، ووسط روائح الطهي والشواء والأجواء العائلية يجلس الزوار في بهو القهوة يحتسون مختلف المشروبات من القهوة العربية والشاي بأنواعه المختلفة من شاي الحبق, وشاي الكرك والمكون من (الشاي والهيل والحليب والفلفل الأسود) وشاي النعناع الذي لاقى إقبالا من الجمهور بمختلف أعمارهم ذكورا وإناثا، إضافة إلى الزنجبيل والحليب، وذلك وسط تبادل للأحاديث بين النساء ولعب الأطفال والتفافهم حول أكشاك الذرة والبليلة وتسابقهم عليها. ولم تخل القهوة الشعبية من المأكولات المتنوعة والتي استحسن مذاقها الجميع مثل الساقو واللقيمات والممروس وخبر المسح وأطباق الدقيق بالتمر. فاطمة العبدالكريم من الأسر المنتجة بالمعرض والتي صنعت مجموعة من أصناف الأكلات الشعبية من (مرقوق وجريش وهريس وعصيد وكليجة) تقول عن مشاركتها في هذا المعرض : «شاركت في معرض منتجون الأول والثاني، وهذه مشاركتي الثالثة .. وفي كل مرة ألاقي إقبالا أكثر من الزوار لهذا المعرض، بالإضافة إلى التنظيم الرائع من قبل المسئولين عليه، وهذه المرة ابنتي حضرت لتساعدني في تحضير الطلبات للزوار»، من جانبها تقول ابنتها : «ان مشروع الأسر المنتجة أتاح لنا فرصة اكبر لزيادة الدخل المالي للأسرة وتأمين حاجيات الحياة، فلدينا القدرة منذ سنوات على العمل والإنتاج، ولكن كنا لا نعرف ونغفل العديد من جوانب طرق التسويق وتحويل تلك الموهبة والعمل على إيجاد دخل مناسب، فالجمعية قامت مشكورة بتدريبنا وتقديم الدعم وإتاحة الفرصة لنا للمشاركة في عرض قدراتنا في العمل بشكل أجمل». في حين قالت أم محمد (مشاركة أخرى من الأسر المنتجة ) في المعرض : «ان هذا المشروع انتزع العديد الأسر في الأحساء من خطوط الفقر والجوع إلى اسر تنتج إبداعا وتكسب من ورائه دخلا معيشيا جيدا، ولعل ما تقدمه جمعية فتاة الأحساء التنموية يعد دافعاً مهما في تقديم عطاء أقوى وإبداع متواصل لتك الأسر، فأنا أبيع الأكلات الشعبية في منتجون، وأقوم بتسويق منتجي، وأقوم بإعداد الطلبات في البيت لتوفيرها لزوار المعرض، ان المجتمع لم يتذوق إنتاجي من الأكلات سوى عن طريق معرض منتجون .. فشكراً جمعية فتاة الأحساء». ولم يبق هاجس الوظيفة الفارس الذي يمتطي جوادا أبيض وتحلم به كل خريجة بل تخطته المشاركة هيفاء المداح وهي من المشاركات في (ركن الكروشية) حيث أنهت دراستها الجامعية في قسم الاقتصاد المنزلي منذ 7 سنوات ولم يصلها طابور الوظيفة وبدأت باستغلال هوايتها وما اكتسبته من دراستها في كسب رزقها، فالتحقت بدورات الجمعية المجانية وطورت نفسها لتصبح مثالا يحتذى به من خلال ما تقدم من موهبة رائعة في هذا المعرض. ولم تختلف معها منال العبيدة ونورة السعد، من ركن الأعمال اليدوية وتغليف الهدايا حيث عرضن أعمالهن أمامهن بشكل بسيط يدل على الموهبة المتدفقة من هذا الأيدي المنتجة، هذا وقد حرصن جميعهن على المشاركة بالمعرض وذلك لما حققه لهن في السنوات الماضية من خبرة ممتازة ساعدتهن على صقل مواهبهن في الوقت الذي لم يغفلن الجانب المادي الذي لاقينه من خلال بيعهن لمنتجاتهن. وفي أثناء جولتنا بين أركان المعرض التقينا أول مشاركة في صنع أكبر سلة خوص في مهرجان حسانا فلة (مكية علي)، والتي ورثت هذه الحرفة من والدتها حيث تعلمتها منذ أن كان عمرها 7 أعوام، وها هي في أعتاب ال60 من عمرها مازالت قادرة على العمل والعطاء، حيث افترشت هذه المسنة الأرض لتعمل بكل طاقتها، فتراها ممسكة خيوط السعف بيدها تنسجها بكل خفة وبساطة، وأشارت مكية الى أن الجمعية هي من ساعدتها بتوفير دخل مادي لها ولعائلتها من خلال هذا العمل، وهذا ما كانت تتطلع إليه, وأن ليس لديها مانع في المشاركة في معرض منتجون للسنوات المقبلة. أما جواد العقل فهو الآخر لم يكن بعيدا عن المسنة مكية في العمر والعمل فقد اشترك معها في الحرفة واختلف عنها بصنعة (المنزات) وهو عبارة عن سرير للأطفال، وعندما اقتربت منه رفع رأسه لي وقال : «كبرت يا ابنتي، لكني لا استطيع أن أجلس دون عمل، فأنا أساسا فلاح، وأصنع السلال لشغل فراغي، منها اكسب رزقي ورزق أبنائي، وفي هذا المعرض أبيع منتجاتي بالجملة والمفرد حيث يكثر الطلب عليها من جميع الحضور». هكذا ساعدت لطيفة العفالق في فتح منافذ لكل هذه الأسر وغيرها والتي لم يسعنا طرحها هنا جميعا, فما تلك إلا نماذج فرحت بالعطاء، وقدمت باجتهاد كل ما لديها في هذا المعرض الخيري. جانب من المعرض ويبدو فيه الحضور النسائي الكبير (تصوير : عبدالعزيز الخميس)