«سوف يقول القضاء المصري الشامخ كلمته.. وسوف يحكم التاريخ على حسني مبارك بما له أو عليه.. وسوف أظل دائمًا وما دام في العمر بقية على حبي لتراب مصر واعتزازي بشعبها''.. كلمات ضمّنها الرئيس السابق حسني مبارك رسالته التي وجّهها لمحكمة جنايات شمال القاهرة، ورئيسها المستشار أحمد رفعت في الجلسة الختامية للمحكمة أول أمس، معتبرها دفاعه الشخصي عن نفسه. وعبّر الرئيس السابق، عن حزنه لما يواجهه "من اتهاماتٍ ظالمة وافتراءات بلا أساس"، وقال: "لست أنا مَن يُريق دماء أبناء شعبه.. وقد أفنيت عمرًا من أجلهم ودفاعًا عنهم. وليس حسني مبارك من يلطّخ شرفه العسكري بالمال الحرام". وأعرب مبارك عن ثقته الكاملة في القضاء المصري وعدله ونزاهته، بعيدًا عن الافتراءات متهمًا من أثاروها بأنهم مأجورون، وقال: "لكنني.. وبرغم كل شيء.. واثق كل الثقة في نزاهة قضاء مصر وعدله.. واثق كل الثقة في حكم التاريخ.. وواثق كل الثقة في حُكم الشعب المصري العظيم بعيدًا عن افتراءات المغرضين، ومثيري الفتن، والمأجورين الذين يتلقون تمويلات من الخارج". وختم الرسالة ببيت الشعر الشهير: بلادي وإن جارت عليَّ عزيزةٌ وأهلي وإن ضنُّوا عليَّ كرام وفيما يلي بعض المقتطفات من الرسالة التي حصلت (اليوم) على نسخة منها: السيد المستشار الفاضل رئيس المحكمة.. السادة المستشارين الأجلَّاء أعضاء هيئة المحكمة.. أتحدّث إلى حضراتكم اليوم في نهاية جلسات هذه المحاكمة بما أحمله من توقير وإعزاز لقضاء مصر وقضاتها.. فهو قضاء شامخ وعريق..لطالما عملت خلال تحملي المسؤولية على حماية استقلاله، واحترام أحكامه، وصون قدسيته. أتحدث إليكم مدافعًا عن نفسي.. متبرئًا من اتهامات طالتني ظلمًا وبهتانًا.. واثقًا كل الثقة بعدالتكم، موقنًا بأن الله يدافع عن الذين آمنوا.. وأنه لن يصحّ في النهاية إلا الصحيح. السيد المستشار رئيس المحكمة.. حضرات السادة المستشارين.. لقد قضيتُ عمرًا في خدمة هذا الوطن وشعبه.. حربًا وسلامًا.. ما بين صفوف قواتنا المسلحة.. ثم نائبًا فرئيسًا للجمهورية، وعشتُ ويلات الحروب دفاعًا عن ترابه وسيادته.. وعانيتُ مرارة سنوات الهزيمة والانكسار عام 1967، وفرحة النصر والعبور واسترداد الكرامة وردّ الاعتبار عام 1973. شاءت الأقدار أن أتحمّل المسؤولية في أوقاتٍ صعبة من تاريخ مصر.. بعد أن اغتالت يد الإرهاب الرئيس السادات.. وكان التحدي الأكبر هو استكمال انسحاب إسرائيل من سيناء واستعادتنا سيادة الوطن.. وهو ما تحقق عام 1982 واستكملناه باستعادة «طابا» عام 1989، كما كان أمامنا تحدي إعادة بناء بنية أساسية متهالكة استنزفتها الحروب، واقتصاد عانى لعقود من تشوّهات واختلالات هيكلية مزمنة. لقد حرصت كل الحرص ومنذ اليوم الأول على أن أرعى مصالح الوطن.. بكل ما أوتيت من قدرة واستطاعة.. وأن أحفظ للمواطن المصري كرامته وحقه في الحياة الكريمة. كانت الأولوية عندي هي تحقيق الاستقرار في مواجهة مخاطر الإرهاب.. وتوفير البيئة المواتية لاجتذاب السياحة والاستثمارات المصرية والعربية والأجنبية. عارضنا الحرب على العراق.. ودافعنا عن القضايا العربية والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.. وقدّمنا للإخوة الفلسطينيين ما لم يقدّمه لهم غير مصر.. من بين دول المنطقة وخارجها.. منذ أن وفرنا لهم الخروج الآمن من بيروت عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان.. حين تمسّكت باصطحاب الرئيس عرفات بنفسي ليدخل غزة عبر الأراضي المصرية. كانت أولويتي وسط هذه المنطقة المضطربة من العالم.. أن أجنّب المواطن المصري الصراعات والدمار والخراب الذي شهدته دول وشعوب كثيرة من حولنا.. راحت ضحية الفتن، والطائفية، والانقسام، والتشرذم، والتدخّلات الخارجية.. فدفعت الثمن باهظًا من دماء أبنائها، ومقدّرات شعوبها. السيد المستشار رئيس المحكمة.. السادة المستشارين أعضاء هيئة المحكمة.. لقد خرج المصريون في شهر يناير من العام الماضي تعبيرًا عن تطلعهم لمستقبل أفضل.. وللمطالبة بحقوق مشروعة.. فكانت تعليماتي واضحة منذ اليوم الأول.. وكما كانت دائمًا من قبل.. أن تتولى الشرطة حماية المظاهرات السلمية كعادتها وبالطرق المعتادة.. وقد مرّ يوم 25 يناير على نحو سلمي التزمت خلاله الشرطة بحماية المتظاهرين وتطبيق القانون والمحافظة على الأمن والمنشآت العامة والخاصة، ومع استمرار التظاهرات في الأيام التالية.. ظلت تعليماتي كما هي.. وتلقيت تقارير تفيد بأن الشرطة بادرت إلى اتخاذ إجراءات تفرض قيودًا إضافية على أفرادها تمنع حملهم أي أسلحة.. تحسبًا لأي استفزاز قد يؤدي إلى عواقب سلبية. وقد أبلغني وزير الداخلية بعد صلاة الجمعة يوم 28 يناير.. بتزايد أعداد المتظاهرين.. وبأن الشرطة تعمل على تأمين المظاهرات وحفظ الأمن وحماية المنشآت.. ثم أبلغني في نحو الساعة الثالثة بوقوع حالات تعدٍّ واعتداء على رجال الشرطة من جانب بعض المندسِّين.. وفي حدود الساعة الرابعة عصرًا أبلغني بعدم قدرة قوات الشرطة على السيطرة على الموقف بسبب استمرار الاعتداء عليها وزيادة أعداد المتظاهرين.. وطلب مني وزير الداخلية توفير العون من القوات المسلحة لحفظ الأمن، فأصدرت أمري بذلك، وطلبت من الشرطة التعاون معها. وجّهت خطابًا .. ألقيته فجر يوم 29 يناير.. أعلنت فيه إقالة الحكومة وتكليف حكومة جديدة بتكليفات محدّدة.. تسعى للاستجابة لمطالب المتظاهرين.. ثم اتخذت عددًا من القرارات الهامة تباعًا.. بدءًا بتعيين نائب لرئيس الجمهورية كلفته بفتح حوار موسّع على الفور مع كافة القوى السياسية للاتفاق على خطوات محدّدة لمواصلة عملية الإصلاح السياسى. ثم توجّهت صباح يوم الأحد 30 يناير لأجتمع بقيادات القوات المسلحة في غرفة العمليات بوزارة الدفاع لأطمئنّ بنفسي على خطة انتشار القوات المسلحة وتعاون الشرطة معها لحفظ الأمن وحماية الأرواح والمنشآت والممتلكات العامة والخاصة. وفي أول فبراير.. توجّهت بخطاب ثانٍ للأمة.. حدّدت فيه معالم طريق واضحة لسرعة النظر في الطعون الخاصة بانتخابات مجلسي الشعب والشورى، وطلبت من مجلس الشعب تعديلات دستورية محددة وصولًا إلى إجراء انتخابات الرئاسة في موعدها الدستوري شهر سبتمبر من العام الماضي.. وأعلنت في هذا الإطار عدم نيتي الترشّح في هذه الانتخابات.. كما طلبت في خطابي للأمة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول أحداث العنف التي وقعت خلال التظاهرات. وراح ضحيتها مواطنون من أبناء الشعب وأبناء الشرطة. سيادة المستشار رئيس المحكمة.. حضرات السادة المستشارين.. سوف يقول القضاء المصري الشامخ كلمته.. وسوف يحكُم التاريخ على حسني مبارك بما له أو عليه.. وسوف أظل دائمًا - وما دام في العمر بقية - على حبي لتراب مصر واعتزازي بشعبها. إني ليحزنني ما أواجهه من اتهاماتٍ ظالمة وافتراءات بلا أساس. فلست أنا مَن يريق دماء أبناء شعبه.. وقد أفنيت عمرًا من أجلهم ودفاعًا عنهم. وليس حسني مبارك مَن يلطخ شرفه العسكري بالمال الحرام. لكنني.. وبرغم كل شيء.. واثق كل الثقة في نزاهة قضاء مصر وعدله.. واثق كل الثقة في حكم التاريخ.. وواثق كل الثقة في حكم الشعب المصري العظيم بعيدًا عن افتراءات المغرضين، ومثيري الفتن، والمأجورين الذين يتلقون تمويلاتٍ من الخارج. بلادي وإن جارت عليَّ عزيزةٌ وأهلي وإن ضنُّوا عليَّ كرام أشكركم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..