لا حدود لطبيعة الآراء المطروحة في هذه الصفحة. فقد يكون الرأي سياسيا أو اجتماعيا أو ثقافيا، وهذا رأي ثقافي أستهلّه بعبارة لأحد الكتّاب تقول: «ما من طريق إلى الفشل أقصر من أن تقتحم الشعر دون دعم من الموهبة»! لكن معنى العبارة يتسع ليشمل الشعر والنثر وباقي الفنون الأخرى. فهل يمكن اقتحام عالم الإبداع دون موهبة؟ ذلك احتمال غير قابل للتحقق. في ديوان الشيخ جعفر الخطي نصوص ساخرة، ومنها ما قاله في متشاعر لم يجد في محاولاته ما ينبئ عن موهبة، لذلك اقترح عليه كثيرا من الحرف والمهن التي قد ينجح في مجالها إلا الشعر قائلا: «ولا تلمَّ بربعِ الشعرِ إن له/ ظعناً تأخرتَ عن مسراه إذ سارا»! لكن المشكلة هي حين يتوهم المتشاعر أنه شاعر، لأن موظفا ما في مؤسسة ثقافية ما، لا علاقة له بالثقافة، أراد أن يباهي به شعراء العالم فرشحه ممثلا للأدب المحلي خارج الحدود! ألا يحق لأي معني بالشأن الثقافي أن يندب قائلا: وا فضيحتاه! مع ذلك، يبدو أنه لا يوجد عمل سيئ بشكل مطلق، فقد قرأت، ذات يوم، خبرا عن مزاد لبيع قصائد أسوأ شاعر في العالم. حيث عرضت 35 قصيدة للشاعر الاسكتلندي وليام ماكغوناغال (توفي 1902) بحوالي 13 ألف دولار! وكان الناس يقذفونه بالأطعمة والخضار عند إلقاء قصائده. يقول أحد النقاد: «أظن أنه ما زال يتمتع بشعبية لأنه رديء جدا.. وما زالت أشعاره تطبع بعد مضي 100 عام على وفاته»! وأقول: ليهنأ أحفاد المتشاعرين بالثروة! في الدقائق الأخيرة، ونحن نغادر أحد فنادق الرياض إلى المطار اعترضتْ طقوسُ الإهداء طريقَنا. على السائق أن ينتظر حتى ينتهي شاعر من إهداء ديوانه لصديقي. انتظرتُ على مضض، لكن الشاعر أصر إلا أن يهديني نسخة. انطلق بنا السائق إلى المطار، وبدأت أتصفح الديوان. وجدتُ مضامين القصائد لا تتجاوز عقدَ قران ابنة، أو زفاف ابن، أو وفاة قريب. وقصائد أخرى شبيهة بالمحفوظات المدرسية. قال صاحبي: «هذا الشاعر صديق عائلتنا». قلت مازحا: «ولماذا أدفع ضريبة تلك الصداقة»؟ حاولتُ، عامدا، أن أنسى الديوان في السيارة التي أقلتنا إلى المطار، لكن صاحبي كان (يقظا) فالتقطه وأعطاني إياه. حاولت مرة أخرى أن أتركه في مقهى المطار فذكرني به، وفعل الشيء نفسه عندما حاولت أن (أفقده) على متن الطائرة. كان حريصا على أن (يُدبّسني) به. ولم يهدأ له بال حتى تأكد أنه قد استقر على رف مكتبتي. كل محاولة تنشد الوصول إلى الكمال مقبولة، ولو تعثرت في الطريق إليه، شريطة أن لا تكون تلك النماذج المتعثرة ممثلة للإبداع المحلي خارج الحدود. أما حين تكون تلك النماذج أقل قيمة فنية من نصوص صاحب ذلك الديوان، فلن أجد عنوانا لهذه الزاوية أنسب من «وا... فضيحتاه» ! [email protected]