لم تكن الفنون يوما أحد عيوب المجتمعات، أو خصما على تطورها، وإنما حافز لذلك التطور وإطلاق القدرات الإبداعية واكتشاف المواهب واحتضانها ورعايتها، فضلا عن الجوانب الترفيهية والترويحية التي تجعل العقل أكثر انفتاحا والقلب أكثر رقة والشعور أكثر تهذيبا، ولعلنا في هذا السياق نستحضر نظم الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي: إن رمت عيشاً ناعماً ورقيقاً فاسلك إليه من الفنون طريقا واجعل حياتك غَضّة بالشعر والتمثيل والتصوير والموسيقى تلك الفنون المُشتهاة هي التي غصن الحياة بها يكون وريقا وهي التي تجلو النفوس فتَمتَلي منها الوجوه تلألُؤاً وبريقا وهي التي بمذاقها ومشاقها يُمسي الغليظ من الطباع رقيقا تلك خواطر قفزت إلى ذهني وانا أتابع بعضا من منجزات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في زيارته إلى فرنسا، وفيها تم الاتفاق بين المملكة وفرنسا على التعاون بمجالات الثقافة والأدب والفنون وصناعة السينما والمسرح والموسيقى لإنشاء دار أوبرا وفرقة موسيقية بالمملكة، إضافة إلى الاتفاق على مشروع لتطوير منطقة العلا، لتحويل جزء من أراضيها إلى متحف ضخم مفتوح. ذلك تنفيذ متقدم لجزء كبير ومهم من محور مجتمع حيوي الذي جاء في صدارة رؤية السعودية 2030 لتتحول الخطط إلى واقع، ونمضي بحيويتنا الاجتماعية إلى مبتغاها في نمط متجدد من حياتنا منفتح على تلك الفنون الإثرائية، وتوظيف إمكانياتنا الكامنة لصالح مستقبلنا ومستقبل الأجيال المقبلة. تلك الفنون الراقية والأنيقة ليست جهدا ثقافيا وترفيهيا وحسب، ولكن مسار فكري وفني يستوعب طاقات شباب الوطن الإبداعية، ويستوعب كل تطلعات لنهضة ثقافية تلامس كل أنواع الفنون الإنسانية، وإلى جانب ذلك أيضا فلدينا مساحة واسعة لتوظيف حضارتنا سياحيا وثقافيا، فكثير من العالم لا يعرف مدائن صالح، التي تعود إلى عهد الأنباط وتم تشييدها في صخور الصحراء، أو المعسكرات الرومانية والنقوش الصخرية ومواقع التراث الإسلامي، فكل ذلك يضعنا في موقع حضاري أكثر تقدما، ويؤسس لرؤية جديدة في العقل العالمي بعيدا عن ذهنية الصحراء والنفط. بهكذا جهود نستعيد الكثير من مخزوننا الثقافي والحضاري، وننطلق في أفق جديد نعكس من خلاله لكل مجتمعات العالم كثيرا من تنوعنا وثرائنا بما يفوق النفط الذي سيتحول إلى مجرد مصدر ثانوي للدخل وليس انعكاسا لقيمتنا، فنحن تلك الحضارة وذاك التاريخ العريق والدور الإنساني الرائد في كتابة الحاضر وصناعة المستقبل.