إلى وزير الثقافة ومسؤولي الجمعيات وأندية الثقافة والفنون، في مختلف بقاع المملكة، أقول: إنّ للأمم والشعوب على مر الأزمان جسرا يمتد من أوقاتهم إلى أوقاتنا، عبر المفردة الحية، التي تتلبس أرواحهم وملامحهم، وإن رحلو! نقرؤهم في وريقات، تحكي واقعاً أو خيالاً، كُل ذلك من خطواتهم التي مرت برصيف، ربما لم يقم إلا بخطواتنا نحن! فالفنون، بشتى أنواعها، رسماً، كتابةً، شعراً، وقصة، كُلها «زاجل» يسافر من سماء إلى سماء أخرى، بها تُعرف الحضارات، وبها تُقام الممالك والدول، وبها تُخلد إنجازاتهم. من هذا المنطلق المتواضع، لأنني لو خُليت والورق والمساحة الوقتية، لبنيت بيوتاً، ولشرعت نوافذها لتحكي قصص الأدب في العالم كله. فالأدب يعني الحضارة، وقد حظيت هذه الكلمة بالذات، باهتمام كبير في أوروبا في القرن العشرين، لإدراك كنه ماهيتها، وأذكر ذلك، لأننا، وللأسف، ننتظر آخرين غرباً يفعلون، ومن ثم نُقلد، لا نبتكر! ولا ضير في أن نقلدهم في هذا الاهتمام بدلاً من أن نُقلدهم في أشياء لاتمت للتحضر بصلة!حيث الأدب، والتأثير المباشر، والقوي في التمدن الفكري، كما نجده في أوروبا وفرنسا واليونان، من القرن الخامس عشر للسابع عشر، بالأدب الكلاسيكي، ويُسمى الاتباعية، هو أقدم المذاهب الأدبية في أوروبا، وقد ظهر بعد حركة البحث العلمي، تهادناً مع الظروف الفكرية آنذاك، حيثُ العقل غالب على اللهجة، فتأثر أحمد شوقي وكتب مسرحيته (مصرع كيليو باترا) إذن تأثرنا، وأثرنا، المهم، أنّ للثقافة باعٌ في القيادة الحضارية، وهذا ما أؤمن به. من هذا المدخل، يا معالي الوزير، ويا سعادة المسؤولين، أعتقد أنّ مملكتنا الحبيبة الغالية، حفظها المولى لنا، لديها القُدرة، أكثر بكثير، من دولة مُجاورة، طحنت ملذاتها وخيراتها الحروب، لكنها تضع الثقافة في أول اهتماماتها، ويكمن ذلك في بناء أرشيف وطني مستقل، به أكبر مكتبة للطفل، مكونة من خمس طوابق، تُمهد لعباقرة وعقول الجيل القادم. ومجمع للثقافة، يتكون من أربعة مبان، تتنوع فيه الثقافة والفنون، وهذا أيضاً لتنمية الإبداع الذي سيُنسب للدولة ذاتها. وأنا أغبط كُل من يسعى لتطوير وطنه، وأبارك لكل من يسعى لذلك، ولكن سيدي، لماذا مباني الثقافة والفنون، سواء للجمعيات أو النوادي، تكون إما مُستأجرة، أو لا تهدي إلى ثقافة! إن رأيتها حسبتها بيوتاً في أحياء، وكان من المفترض أن تكون معالم لتلك المناطق التي تتبع لها؟!المُشكلة ليست في القائمين عليها، إنما في تزويدهم وتمويلهم بالمادة، والميزانية الحقة، التي تجعلهم ينجزون ويبدعون ويبتكرون! فالمكان له دور لا يُستهان به في العطاء، نحن لا يهمنا الكم بقدر ما يهمنا الكيف، والكيف لا يأتي إلا بالكم!أيها المسؤولون، لنبني حضارتنا، أتمنى أن يكون هناك مجمع في كل منطقة من مناطق المملكة، موحدا في جميع المناطق، يتكون من عدة مبان: مسرح كبير، مُعد ومُجهز، ينمي الابتكار، ويزرع الجمال في نفوس الأجيال. كذلك مسرح ضخم للأمسيات الشعرية، يخصص به مكان أنيق للسيدات، كذلك مبنى ثقافي منفصل خاص بالسيدات، تقام فيه المناشط الثقافية المتنوعة، بالتنسيق مع المسؤولين. كذلك مكتبة كبيرة، تقسم إلى قسمين، قسم للأطفال، يتم فيها جدولة لزيارات طلاب وطالبات المدارس. والقسم الآخر لدور النشر السعودية، تعرض كُتبها على مدار السنة للبيع، والريع تذهب منه نسبة قليلة جداً للمقر، كما يتم تبادل الكتب المنشورة بين كُل مناطق المملكة، للتعرف على الإنجازات الفكرية للكُتّاب والكاتبات. وفي هذا تنشيط للحركة الإبداعية والفكرية.كذلك يضم المجمع غُرفاً تابعة له، مُجهزة للصحفين والصحفيات، وبه تجهيزات للإذاعة والتلفزيون، لتغطية المناسبات والفعاليات المُقامة، كل حسب منطقته. كما أقترح توظيف كوادر تتبع للنوادي والجمعيات التابعة للثقافة والفنون، كما أقترح أن يكون معرض الكتاب الدولي السنوي في أكثر من منطقة في المملكة، كي يتسنى للجميع الذين لا يستطيعون الذهاب للرياض لأسباب لا حصر لها، فيكون مُتاحاً لهم في المناطق الأخرى بالتناوب.هذه مقترحاتي، نحو ثقافة صحية، جميلة، وكل الامتنان لكم لما تقدمونه من جهد، الجميع يشهد له.