الكلام مهارة حياتية ضرورية من أجل إنجاز مصالحنا وأعمالنا وبناء علاقات صحية ووثيقة مع الآخرين، وتكشف عادات الكلام لدينا عن تباين سلوكنا القولي، ما بين مفرط في الكلام إلى حد الثرثرة، وبين مقل للكلام إلى حد الصمت المطبق، والوضع الأمثل هو أن التوازن الذي يحقق سداد القول بتعبير القرآن الكريم: «يا أيُها الذِين آمنُوا اتقُوا الله وقُولُوا قولا سدِيدا يُصلِح لكُم أعمالكُم ويغفِر لكُم ذُنُوبكُم ومن يُطِعِ الله ورسُولهُ فقد فاز فوزا عظِيما» [الأحزاب: 69-70]. والثرثرة (Yakking) كثرة الكلام في غير فائدة، فهي مجرد ضجيج وطنين وهي تقتحم عليك كل مكان: البيوت، دوائرالعمل، المقاهي، الفضائيات، الشوارع ناهيك عن الثرثرة الإلكترونية عبر كثير من مواقع التواصل الاجتماعي. وبالطبع ليس من الثرثرة بعض الدعابات التي تضفي جوا من المرح دون إفراط أو رغبة مهموم في الفضضة لجليسه للتنفيس عما يعانيه. أما الثرثرة الفارغة فهي من العادات المذمُومة في الثقافات والحضارات والأديان كافة لما فيها من هدر الطاقة والوقت في هراء وكلام أجوف، وقد تؤدي إلى إفشاء الأسرار وتناقلها أو الوقوع في غيبة الناس وتجريحهم، وقد تتسبب في نفور الآخرين وتقع بلواها على رؤوسهم. قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إن من أحبكم إليّ، وأقربكم مني في الآخرة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي، وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقا، الثرثارون، المتفيهقون، المتشدقون» [أخرجه أحمد]. كيف نتخلص من الثرثرة؟ هذه العادة من أصعب العادات السيئة بسبب سيطرة شهوة الكلام، لكن التخلص منها ليس بالمهمة المستحيلة، ومن المقترحات المعينة على التغلب عليها ما يلي: 1- استشعر مسؤولية الكلمة: فكل كلمة تسجل في صحائف قائلها «ما يلفِظُ مِن قولٍ إِلا لديهِ رقِيب عتِيد» [ق 18] ورب كلمة باطل، هوت بصاحبها إلى أسفل الدركات. 2- فكر جيدا قبل أن تتحدث، فمن المشاكل التي تواجه الشخص الثرثار عدم قدرته على التركيز في موضوع محدد، فتجده ينتقل بك من موضوع لآخر دون أي علاقة تربط بينهم، وتقول الحكمة العربية «قلوب الحمقى في أفواههم وأفواه الحكماء في قلوبهم». 3- اختتم حديثك سريعا، إذا لاحظت في عيون وحركات الآخرين الذين يستمعون إليك بوادر الملل أو عدم الانتباه لحديثك. 4- كن مستمعا جيدا: وعود نفسك على الاستماع أكثر من الكلام، ولا تقاطع حديث غيرك. 5- تجنب العناد والتشبث بالرأي أثناء الحوار مع الآخرين، فهما السبب في الإفراط في الكلام دون جدوى. 6- قيم ذاتك بعد كل جلسة مع أصدقائك، وإذا وجدت رغبة جامحة في فضول الكلام فحاول بقدر الإمكان معالجة الأمر في مواقف قادمة. 7- انتفع بالإرشاد النبوي إذا كثر لغطك ولغوك في المجالس حيث جاء فيه: «من جلس مجلِسا كثُر فِيهِ لغطُهُ، فقال قبل أن يقُوم مِن مجلِسِهِ ذلِك: سُبحانك اللهُم وبِحمدِك، أشهدُ أن لا إِله إِلا أنت أستغفِرُك وأتوبُ إِليك، إِلا غُفِر لهُ ما كان في مجلِسِهِ ذلِك». وانتبه -عزيزي القارئ- فكلامك صورة لذاتك، ومن هنا قال سقراط: «تكلم حتى أراك».