حمل إعلان البيت الأبيض عن زيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى واشنطن، رغبة أمريكية في تعميق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. وجاءت الملفات المطروحة في برنامج الزيارة لتصب في مصلحة البلدين، بدءاً من الاتفاق على مواجهة إيران وتدخلاتها السافرة في المنطقة، إلى جانب تعديل الاتفاق النووي وإيجاد مخرج للحرب الدائرة في سوريا، وإجبار ميليشيات الحوثي على القبول بالمفاوضات في اليمن وتحريك العملية السلمية بين الفلسطينيين وإسرائيل. الزيارة جاءت شاملة، ولم تقتصر على لقاء الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، وكبار المسؤولين في الكونجرس ومراكز الفكر، بل ركزت على تحقيق أهداف رؤية 2030 والاستثمارات الأمريكية، حيث سيلتقي مديري أكبر الشركات في السليكون فالي ومدينة سياتيل. كما سيزور كلاً من نيويورك وبوسطن وهيوستن. الصحافة الأمريكية بدورها استبقت الزيارة بالحديث عن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي يقودها ولي العهد، والدور الذي يقوم به وما يحمله على عاتقه في تحديث المملكة وتمكين العناصر الشابة، وإيجاد بدائل للنفط كمصدر أساسي للدخل. إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يخطط لتعزيز العلاقة مع الإِدَارَة الأمريكية وإقناع قادة الشَّرِكَات والمستثمرين بوضع مهاراتهم وأموالهم للعمل فِي المملكة. فالعلاقات الاستراتيجية بين السعودية وأمريكا مبنية على شقين أولاهما اقتصادي استثماري، وثانيهما سياسي. القضية الفلسطينية، تشغل حيزا كبيرا لدى ولي العهد السعودي في ثاني زيارة له للولايات المتحدة منذ تولي ترامب الرئاسة والأولى له منذ أن أصبح وليا للعهد، كما انها تشكل أهمية قصوى من أجل التوصل إلى سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط، والتطرق إلى قضايا مشتركة، وفي مقدمتها، القضاء على الإرهاب، ومحاربة «داعش» في المنطقة والعالم، وأهمية التوصل إلى حل يُوقف الحرب الدائرة في سوريا منذ ما يزيد على ست سنوات، كما أن الملف الإيراني حاضر بقوة في المباحثات، وسيسعى الجانبان إلى إيجاد صيغة مناسبة لوقف الإرهاب الإيراني في المنطقة، عبر ميليشياتها، سواء «الحوثيون» في اليمن، أو «حزب الله» في لبنان. زيارة ولي العهد ليست مجرد حَمْلَة علاقات عَامَّة فحسب، بل تهدف أَيْضاً لبناء أسس طويلة الأمد وفتح قنوات اتصال مباشرة مع الرؤساء التنفيذيين للشركات. ولي العهد لا يحاول فحسب التصدي للفساد، ولكنه يحاول أَيْضاً التخلص من المحتكرين القدامى الذين هيمنوا على السوق فِي المَمْلَكَة، وعلى المدى البعيد، سيجد المستثمرون أن مَا جرى خطوة إِيجَابية، وسيمضي بعض الوقت حتى يشاهد المجتمع الدولي مَا يجري فِي المَمْلَكَة، ثم يبدأ فِي المشاركة والاسْتِثْمَار. الأمير محمد بن سلمان يريد تغيير الاقتصاد السعودي ويسعى لكسب ود الأجيال الجديدة، ويوجد افقا سياسيا يتناسب مع مستوى التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يقوم بها فليس من المنطقي أن يتم تغيير العقد الاجتماعي القديم الذي قام على توفير التعليم والصحة والسكن والعمل بل والمال وألا تتغير الأمور السياسية، فالشباب متحمس لأفكار ولي العهد. إيجاد حلول لمشاكل المنطقة سيتم بشكل أسرع مع زيارة الأمير محمد بن سلمان المرتقبة إلى واشنطن ومع التأثير الذي سيكون لوزير الخارجية الأمريكي الجديد بومبيو على السياسة الخارجية الأمريكية والمتوافق مع خط الرئيس ترامب القريب من السعودية من ناحية والمتشدد حيال إيران من ناحية أخرى.