في الكتاب الذي أصدرته المجلة العربية (الإسهام الإسلامي في التجديد الفلسفي للقرن الثاني عشر) يؤكد الباحث الإسباني خواكين لومبا فوينتيس أن بداية النهضة الأوروبية حدثت في القرن الثاني عشر الميلادي وليس في القرن السادس عشر كما يذهب في ذلك معظم المؤرخين، وحدث ذلك في الأساس بفضل الإسهام العربي لهذه النهضة في المعارف والعلوم والفلسفة التي نقلها وترجمها الأوروبيون من العرب والمسلمين في هذا القرن بالذات «ولم يكن سيتيسر حدوث الاكتشافات العلمية والفتوحات الفكرية في أوروبا خلال القرون الموالية، ما لم يتهيأ لها السند العلمي والثقافي العربي الإسلامي، أي مختلف وجوه الإرث المعرفي والحضاري الذي خلفه المسلمون في الكيمياء، والفيزياء، والميتافيزيقا، والمنطق، والفلسفة، والطب، والفلك، والتنجيم، والهندسة، والرياضة، فضلا عن آداب الأكل والشرب والنظافة». وحدث هذا التطور بفضل تغير طريقة التعليم والتربية لديهم والتي اكتسبوها من المسلمين وذلك بسبب تحول أنماط التعليم ومعاهده من القرية إلى المدينة ومن الأديرة إلى الكاتدرائيات، وان العلماء العرب في رأيه ليسوا فقط نقلة للعلوم والفلسفة الإغريقية وإنما أضافوا وابتكروا الشيء الكثير فيقول «ينبغي الإشارة إلى خطأ تاريخي جليل ما زال ساري المفعول حتى في أيامنا هذه والمتعلق بكون العالم العربي مجرد ناقل للمعرفة الإغريقية إلى أوروبا. لم تكن لدى العلماء والفلاسفة المسلمين النية قط لنقل أي شيء، بل كانت نيتهم تمثل واستيعاب تلك المعارف، والمضي بها إلى مراتبها العليا، مدفوعين بمصلحتهم الشخصية، وعشقهم للمعرفة والبحث والسعي إلى دفع العلم والفكر إلى التقدم» وحصل هذا التأثر عن طريق البعثات الدبلوماسية والمبادلات التجارية وهجرات الرهبان من الأراضي الإسلامية وعن طريق الحملات الصليبية وعن طريق بعثات الأطباء المسلمين إلى الأمراء المسيحيين ولكن التأثر الحاسم في رأي لومبا حصل عن طريق الترجمة للمتون العلمية والفلسفية الإسلامية، واستخدام المنهج العلمي الذي أخذه الأوروبيون عن المسلمين «وكذا تبنيهم تصنيفا للعلوم مثالاته موجودة في الفضاء العلمي العربي الإسلامي في التقليد المعروف (إحصاء العلوم) وترتيبها، مما يجعل المعارف الجديدة تتخذ منحى معرفيًا وحضاريًا جديدًا لم يكن يخطر ببال أصحابه، وذلك بفضل الرؤية التصنيفية للعلوم التي اقتبسوها من المسلمين عبر ترجمة أمهات المتون التي تعنى بهذا الضرب من الإبستمولوجيا العلمية» يقول لومبا مستشهدا بقول (غرانت) في كتابه (العلم الفيزيائي في العصور الوسطى) يقول «بدون العمل الشجاع لهذا الجيش من المترجمين في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، لم يكن سيتيسر وجود العلم الوسيطي، بل لم يكن سيتهيأ قط وجود للثورات العلمية الكبرى على نحو يسير مثل ثورة كوبرنيكس وجاليليو وكبلر وديكارت ونيوتن إلا الحصول على القليل من المتاع لإسناد تفكيرها حول مشكلات مهمة في العلم الفيزيائي».