حروب وسائل الإعلام الورقية والرقمية قائمة في كل العالم، حيث لا يُستثنى من ذلك عالم متقدم وعالم متوسط أو عالم ثالث. غزو وسائط الإعلام الجديدة عارم ويتجاوز الجدران العازلة؛ لأنه يُطيّر عبر الهواء والاتصالات المتقدمة وليس عبر الحدود البرية أو البحرية أو المجالات الجوية. لا فرق الآن بين أوروبي في لندن وأفريقي في دكار وعربي في عرعر في التعرض لتدفق المعلومات الهائل، والحصول على الأخبار فورًا، والتوافر على كم هائل جدًّا من الخدمات وتسهيلات التسوق لكل شيء: الأفكار والمقالات والقصص والكتب والأحذية والفساتين والسيارات والطائرات وعملة البيتكوين وأخواتها الأصغر. مع ذلك هناك ما يمكن أن نسميه (الفكرة بعد السكرة)؛ إذ إن سكرة العالم الطويلة مع هذه الوسائل يبدو أنها الآن تتبدد بعد أن بدأ التشكيك في إيجابية هذه الوسائل على حياتنا وآدميتنا، ومناقشة مصداقيتها وما تسببه من مشكلات على مستوى استقرار الدول وسلامتها، بل ما تشكله من خطر على سلامة الأفراد أنفسهم الذين أصبحوا يتداولون خصوصياتهم وأماكنهم وقوتهم (وضعفهم) مع أجانب بعيدين لا يعلمون شيئًا عن سلامتهم النفسية والعقلية؛ ولا يعلمون ما إذا كانوا يتواصلون بهم من أجل الخير أم من أجل الشر. دولة فيسبوك، التي يسكنها ملياران من البشر، أقرّت مؤخرًا بالتهديد الذي قد يشكّله التوسع الهائل لشبكات التواصل الاجتماعي للديمرقراطية، وبأنها ستحول منصتها إلى «قوة للخير».. مسؤول المشاركة المدنية في الشبكة أقرّ بأنهم في 2016 كانوا بطيئين جدًّا في رصد كيف استغلت جهات مسيئة المنصة الفيسبوكية. في بريطانيا كشفت دراسة حديثة أجرتها شركة إيدلمان البريطانية عن انخفاض مؤشر الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي إلى مستوى قياسى؛ إذ فقد البريطانيون الثقة في شركات مثل فيس بوك وتويتر. ووجد مقياس إيدلمان للثقة لعام 2018 بعض الحقائق المهمة الأخرى، من أبرزها ارتفاع الثقة في وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والتليفزيون بنسبة 13 نقطة مئوية في السنة إلى 61 %، وهو أعلى مستوى لها منذ ست سنوات، حيث يبحث المستهلكون عن تغطية إخبارية موثوقة. وهذا يعني أن الورقي، الذي يؤرق أستاذنا خالد المالك، قد يتنفس الصعداء، ويعود إلى ربع سابق عهده بعد أن هددته الجحافل الافتراضية الداهمة.