في الخمسينيات ومطلع الستينيات من القرن الماضي دفعت حمى التسابق لامتلاك أشد الأسلحة فتكا وتدميرا للجيوش وترهيبا وتخويفا للحكومات والشعوب الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانياوفرنسا ثم الصين فيما بعد بالإضافة لكوريا الشمالية وإيران حاليا إجراء تجارب لامتلاك أسلحة نووية وهيدروجينية في مناطق مأهولة ولكنها بعيدة أو مخفية عن أعين العالم دون مراعاة لما يمكن أن يسببه الإشعاع النووي من دمار للبشر والنبات والحيوان. وبامتلاكها تلك الأسلحة تسيطر هذه القوى اليوم على الأوضاع في العالم، وتتصرف كيفما تشاء، فيما يدفع سكان المناطق التي أجريت فيها التجارب في المحيط الباسفيكي (أمريكاوبريطانياوفرنسا) وفي سيمبالاتنسك بكازخستان (روسيا) وفي إقليم سنكيانج ذي الأغلبية المسلمة (الصين) وصحراء الجزائر بولاية ادرار (فرنسا) الثمن غاليا. وكانت الولاياتالمتحدة -وهي الوحيدة التي استخدمت هذا السلاح- قد قتلت عام 1945م ما لا يقل عن 140000 شخص في هيروشيما و80000 في ناجازاكي وما زال أثرها مستمرا، حيث التشوهات والأمراض والمواليد المبتسرة في هاتين المدينتين. في عام 1957م بدأت المملكة المتحدة سلسلة من اختبارات القنابل الهيدروجينية في جزيرة مالدين وجزيرة كريسماس في وسط المحيط الهادي في خضم السباق المحموم بين القوى الرئيسة في العالم لامتلاك أكبر قوة تدميرية على وجه الأرض. استطاعت بريطانيا أن تضع نفسها في المرتبة الثالثة بعد الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي، لكن أحدا لم يسأل كم هو الثمن، الذي دفعه وما زال يدفعه جنود بريطانيون إلى جانب سكان تلك الجزر وما لحق بالحياة البحرية من تدمير. وبالإضافة لما أوردته ذا ديبلومات وصحيفة التلجراف وويكيبيديا من إيراد الحقائق، فإن معظم المؤرخين قد حرصوا على توثيق التطورات العلمية والسياسية المصاحبة لامتلاك واستخدام السلاح النووي متجاهلين التكلفة العالية، التي دفعها البشر والنبات والحيوان والحياة البرية ولم يطالب أحد بمحاسبة من تسبب في آلامهم ومعاناتهم المستمرة حتى اليوم. ولم يكن أحد من الذين كانوا في تلك المنطقة أثناء إجراء التجارب النووية يتوقع أن يصاب بتشوهات وأمراض قاتلة تمتد إلى أبنائه وأحفاده. لقد ظهرت على أبناء أولئك الأشخاص، الذين كانوا في موقع التجارب ويربو عددهم على عدة آلاف رجالا ونساء وأطفالا تشوهات خلقية وعقلية مزمنة شملت اليدين والقدمين والأعضاء التناسلية. كما ظهرت في القلب والسمع والشفة المشقوقة وإصابات بسرطان الدم والسرطان والعقم والولادات المبتسرة وغير ذلك. وتشير الإحصائيات إلى أن آلاف الناس الذين كانوا يعيشون في محيط ثمانين كيلومترا حول موقع التجارب النووية الروسية في سيمبالاتنسك قد تعرضوا لمستويات عالية من الإشعاع. ورغم أن السلطات الرسمية سجلت نسبة إصابات متواضعة بالسرطان إلا أن المعلومات المتوافرة تقول إن ستين ألفا على الأقل قد ماتوا بسبب السرطان الناتج عن الإشعاع النووي. وأن ما لا يقل عن نصف مليون من الذين تعرضوا للإشعاع يتلقون إعانات إعاقة من السلطات الكازاخية اليوم بعد انفصال كازاخستان عن روسيا. الدمار الذي لحق بالبشر والطبيعة ما زال يتفاعل بعد عشرات السنين من إجراء تلك التجارب. معظم الكتب التي تؤرخ للتجارب الذرية والهيدروجينية تتحدث عن العلماء والسياسيين وتكاد تتجاهل العسكريين والعمال، الذين عملوا في مواقع التجارب وسكان القرى المجاورة لها، بل إن التاريخ العسكري البريطاني كغيره في الدول الثلاث درج على تجاهل أبناء المستعمرات، الذين خدموا في الجيش ليس في منطقة المحيط الهادي من الذين كانوا في مواقع التجارب وحدهم، بل وفي قارتي أفريقيا وآسيا أيضا.