شذا فازت بالمركز الرابع في مسابقة للقراءة ولا يكاد يعلم بها وبإنجازها أحد، بينما رقصت عيوش لثلاث ثوان مستجيبة لدندنة أخيها (ويه ويه) فحصدت ملايين المشاهدات واحتلت شاشات التلفزيونات وكل منصات التواصل الاجتماعي.!! كانت هناك، أيضاً، طقطوقة (صامولي) التي سجلت على يوتيوب 32 مليون مشاهدة. طبعاً الأمر هنا لا يتعلق بالصغيرتين، شذا وعيوش، ولا بصاحب الخبزة الشهيرة مع الجبن. الأمر يتعلق بذائقة الجمهور التي فضحتها وسائل التواصل الاجتماعي، تلك الوسائل التي أتاحت لكل من فتح فمه أو هز رأسه أو استهزأ بغيره أن يصبح نجماً تتحدث عنه الركبان وتنقل أخباره وصوره السي إن إن والبي بي سي، باعتبارها أو باعتباره الفارس الذي فتح عكا أو العالِم الذي اكتشف الدواء القاهر للسرطان. وهذا، بطبيعة الحال، ليس لدينا نحن فقط، بل في كل دول العالم شرقه وغربه وشماله وجنوبه، إذ لا فرق في رسائل التفاهة بين شعب متقدم وشعب متخلف؛ لأن الحالة العامة الطامة لطبيعة هذا الزمان تفرض نفسها رغماً عن الجميع. ولذلك أنا لا ألوم أي شاب، أو مراهق أو مراهقة، إذا تعلق بهذه الحالة ونافس عليها ليحقق المكسبين: الشهرة والمال. من ألومهم هم أولئك المتلقون الذين يرفعون من قدر كل تفاهة، ويعطونها هذا الحجم الهائل من المشاهدة والإعجاب.!! المشكلة، أيضاً، أن فيديوهات التسطيح هي الغالبة على هذا المشهد التواصلي الرائج؛ وتكاد هذه الفيديوهات تصل إلى ما نسبته 90% مما يشاهده الناس، إذ لو كان هناك فقط رسالة سطحية واحدة من بين عشر رسائل جادة ومفيدة لهان الأمر ولقبلناه على علاته. هناك، بدون شك، مد هائل حول العالم لتسطيح الحياة وتتفيهها باستغلال وسائل الإعلام الجديد، التي تسيل أوديتها، المفرطة في التدفق المجاني، في نفس اللحظة في كل مكان من الدنيا. وأظن أن الأمر سيبقى على ما هو عليه لسنوات قادمة إلى أن يكتشف الناس أنهم أصبحوا فعلاً بلا قيمة وبلا أهداف حقيقية. وقتها ربما تنجلي هذه التفاهات ويعود المتواصلون إلى صوابهم وجديتهم.