لا أعتقد أننا خططنا لهذه اللحظة.. أو توقعناها.. حتى في أتعس حالات الانحطاط والاحباط.. لا اظن أن احدا منا كان يتوقع أن تقود "التفاهة" الجماهير الغفيرة وتحدد لها خياراتها. نعيش معضلة تعطل وصول الكثير من رسائلنا، نلهث خلف الوسائل ونهمل الرسالة نفسها.. نغير كل شيء حتى ألوان الورق ونهمل المحتوى.. ثم نلوم "الجمهور" أنهم لا يتفاعلون مع رسائلنا وينساقون خلف "التفاهة".. في الوقت الذي يفترض أن نعترف فيه أن المحتوى الذي يبحث عنه الجمهور ليس هو الذي نقدمه لهم.. وان انتقاداتنا لنجوم "السوشل ميديا" - مثلاً - لا أحد يسمعها.. بل إن غالبية الشباب يتذمرون من تكرارنا لها.. حدث أن حاولنا احتواء نجوم ال "ستاند اب كوميدي" وفتحنا لهم مسارحنا الرسمية، ثم صدمنا بمستوى الطرح واللغة من بعض هؤلاء المشاهير.. وعندما انتقدناهم انهالت علينا مرافعات الدفاع وكأننا نحن الذين تلفظنا بذلك الكلام البذيء الذي ارتجله أحد نجوم ال"ستاند أب كوميدي".. والحقيقة ان الشباب المدافعين عن البذاءة هنا كانوا في اللاوعي يدافعون عن النافذة الجديدة التي فتحت لهم وليس عن البذاءة.. لذلك فشلت التجربة تقريباً.. وافترقنا؛ لاننا وفرنا المنصة وأهملنا المحتوى، حيث كان من المفترض أن نناقش مع هؤلاء النجوم محتوى رسائلهم - حتى الارتجالية منها - قبل أن نعطيهم المسرح، وبدلاً من صقل مواهبهم وتوجيهها الاتجاه الصحيح واحتوائهم أضعناهم واصبح وكأن الاصل في هذه المناسبات.. البذاءة والاعتداء على الذوق العام!. ربما كان الامر طبيعياً في بداياته ولم ننتبه لخطورته.. شاب فارغ يجمع 100 الف "متابع".. لكن التطور الخطير أن هؤلاء "الفارغين" باتوا اليوم "قادة رأي" وموجهين لمئات الآلاف من المتابعين لهم.. وتبدو القضية خطيرة عندما يتعلق الأمر بحديثهم السطحي عن قضايا حساسة أو تبنيهم لقضايا وآراء تعارض المصلحة العامة او تأثيرهم على المتابعين خصوصا المراهقين الذين يعتقدون أن هؤلاء هم القدوة وأن ما يقولونه هو الصحيح. نعيش سباقا محموماً في صناعة المحتوى يجعلنا نقف أمام مفترق طرق خطير.. إما أن نساهم في هذه الصناعة بوعي منذ ولادة الفكرة، أو أن نستمر في ملاحقة آثارها بالشجب والنفي والتصحيح.. لذلك كله؛ نحتاج اليوم إلى أن ندرك أهمية المحتوى وأهمية المشاركة في صناعته ووضعه في المسار الذي يناسب المجموع، لان أي رسالة تنطلق يصبح من الصعب استعادتها أو تغيير مسارها في منتصف الطريق.. 340