في ظل تهافت أصحاب الملايين لشراء أجمل القصائد ودفع مئات الألوف للمطربين من أجل التغني بها، وانتظار المديح والاطراء بعد ذلك، نجد شاباً صغيراً بالسن يحقق شهرة كبيرة بكلمات تافهة وفيديو كليب عادي جداً ولحن "ماسخ"، ولكم أن تتخيلوا أن هذا الشاب تغنى ب"الصامولي"، وهذه بعض كلمات أغنيته: "ذاك اليوم رايح البقالة، دقت علي الشغالة، قالت ماما كم جيب صامولي، قلت حضروا الجبن عشان تحطولي، صامولي صامولي العيال يبون صامولي"، أعتذر لكم ولكن أغنية "صامولي" حققت أكثر من 10 ملايين مشاهدة خلال أقل من أسبوعين، وهناك كبار المطربين عربياً لا يتجاوزون ربع هذه المشاهدات بمثل هذه الفترة. أنا هنا لن أكتب بمثالية كبيرة، وأصف هذا النوع بالإسفاف أو ما شابه ذلك، سأتحدث بواقعية لأن ما يحدث حولنا هو انفلات ذوقي وطبيعي أفرزته لنا وسائل التواصل الاجتماعي التي لا قيود لها، ولا رقابة أيضاً، وهنا لا أنسى شهرة أغنية "لولاكي" قبل سنوات طويلة وتحقيقها مبيعات وصلت أكثر من 10 ملايين كاسيت في تلك الفترة، وواجها الكثير وحاربوها واعتبروها انحداراً بالذائقة الغنائية، ورغم ذلك ظل مطربها علي حميدة يعيش على نجاحها حتى وقتنا الحاضر، وخليجياً لا أنسى أغنية "صبوحة خطبها نصيب" من التراث اليمني والتي اشتهرت كثيراً!. "صامولي" لفتت انتباهي كون صاحبها شابا صغيرا، وظهر مهاجماً من هاجموه وخصوصاً من محبي أغاني الراب، والذين اعتبروه أساء لفنهم، ورده عليهم أنه لا يمثل فنهم وليس همه أنه يكون مغني راب، ولكن الطريف أنه يعتبر نفسه من خلال "صامولي" ناقداً للواقع الحالي للمشاهير وتناقضاتهم، تخيلوا النقد عبر هذه الكلمات: "دخلت ولقيتهم قاعدين بالصالة، وكانوا ياكلون على الطاولة، قلت ليش بديتوا بدوني، كنت رايح أجيب صامولي"، كلمات طريفة جعلت هذا الشاب حديث اليوتيوب في دول عديدة وحققت "صامولي" بفضلها الترند خصوصاً في دول الخليج. هل انتهت الذائقة الفنية؟. هل أصبحت ملايين المشاهدات عبر اليوتيوب مقياساً للذائقة بعد أن كانت مبيعات الألبومات سابقاً في زمن الكاسيت والسي دي والتي يجهلها جيل "صامولي"؟، الإشكالية الكبرى أنه قبل "صامولي" كانت هناك أغنية أشهر منها ولكن بصراحة فخمة في تصويرها وغريبة بكلماتها وهي "عوافي يا قلبي" للشهير عبر التواصل الاجتماعي أبوحمدان، وكانت حديث الإعلام خلال الفترة الماضية، رغم أنها لا تختلف في فكرها ومضمونها عن "صامولي يا عيال" وحققت حتى الآن أكثر من 18 مليون مشاهدة. في استفتاء أجري مؤخراً كانت نسبة المصوتين على انتهاء ظاهرة شهرة نجوم التواصل الاجتماعي قريباً، وشخصياً لا أعتقد ذلك في ظل اختلاف المعايير، فالواقع يقول إن الذائقة لا يمكن حبسها، فلكل مرحلة هناك ذائقة جديدة وهناك جمهور لهذه الذائقة لا يمكن كبحها أو كسر جموحها، فتندهش لتعلق الأطفال ب"صامولي" و"عوافي" وغيرهما، ولا يقبلون أي انتقاد أو استهجان، ولكن كيف يمكننا أن نعيد للذائقة بريقها، فمجتمعنا الذي عانى خلال الثلاثين عاماً الماضية من كبح وقتل ذائقته جعل البديل للأغاني وبإطار شرعي "الشيلات" وأفرزت لنا مجتمعاً متناقضاً، وها نحن الآن في مرحلة جديدة هي "صامولي" وغيرها، رغم أن بيننا محمد عبده وعبدالمجيد عبدالله وطلال سلامة وعبادي الجوهر ممن تغنوا بذائقة فنية رائعة رغم الظروف التي عاشوا بها والحروب التي واجهتهم والتي جعلت فنان العرب يقول إنه لم يكن بالمقدمة بجنازة والدته لخوفه أنه عند علم الناس أن المتوفاة والدة مطرب، لن يمشوا في جنازتها!.