بالنسبة للتكتلات العالمية، التي تخطط لمصالحها المستقبلية بعين بصيرة تبدو لأفريقيا خالية من شعوبها قيمة أكثر بكثير من أفريقيا مكتظة بالسكان، فهل يكون لنزوح الشباب الأفريقي، الذي تغريه أحلام الوعود الخضراء في الخارج، جزءا من استراتيجية مدروسة سلفا لتحويل القارة إلى اقطاعيات زراعية كبيرة؟ هل ما زال هناك امل في ان يعود اليها يوما ما ولو نصف عدد الشباب، الذين يغادرونها اليوم؟ بل هل ما زالت لديهم مجرد الرغبة في العودة؟ هذه الاسئلة طرحتها مجلة «نيوافريكان»، وحاولت الرد عليها في تقرير قالت فيه «إن العدد المهول من شباب أفريقيا الذين يغادرونها بشكل مستمر محاولين في اصرار الوصول الى أراضي الاتحاد الأوروبي رغم ما يعترضهم من مخاطر، يبدو أنه يحقق رغبة انتزاع افريقيا من الافارقة». وأضافت المجلة «على نفس المنوال يتم فتح مسار آخر للشباب الأفريقي إلى الشرق الأوسط، حيث يعملون في أوضاع محلية مهينة في اسرائيل وفي اماكن اخرى بمكافآت مالية متواضعة، ويحصل قليلون منهم على تعاقدات من الداخل للانخراط في العمليات العسكرية الامريكية الواسعة في العراق وفي أفغانستان». وأشارت «نيوافريكان» إلى أن بعض الشبان والشابات من بين تلك المجموعات الأخيرة حققوا طموحاتهم، ولكن الوضع بصفة عامة ينتهي بمعظمهم الى خيبة امل مريرة، فقلة منهم تراودهم احلام العودة لكن اعداد المغادرين تزداد يوما بعد يوم. ويقول الصحفي والناشط الثقافي الاوغندي كالوندي سيروماغا، الذي تقتطف عنه المجلة هنا «مثل هذا العمل ليس بجديد واصبح معروفا بفضل عمل المنظمات الدولية في مجال مكافحة الرق، ولكن هناك فكرة اخرى متشائمة تراودني؛ وهي ان كل هذا الاضطراب، والموت والدمار الناجم عن الحروب بالوكالة يتم فيه تحريك خيوط اللعبة من وراء آلاف الأميال، فيرقص شعبنا على انغامها ويقتلون بعضهم بعضا لا يحدث لاسباب عشوائية ولكنه جزء من استراتيجية اكبر». وفي السياق ذاته ووفقا للمجلة، قدم إريك سولهيم الرئيس الحالي لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة والوزير السابق في الحكومة النرويجية، رؤية تقودنا قريبا من تلك الفكرة، ففى مقال نشرته له صحيفة الجارديان البريطانية حذر سولهيم من خطر «ان تصبح افريقيا يوما ما مزرعة شاسعة لانتاج الغذاء، تديرها مؤسسات زراعية عابرة للقارات هدفها توفير الغذاء للانفجار السكاني الذي يجتاح العالم». حدوث مثل هذا السيناريو على ارض الواقع سيجعل مساحات شاسعة من السافانا الأفريقية مفتوحة امام اقطاعيات زراعية شاسعة تمتلكها تلك الشركات، وبالتالي إنتاج كميات كبيرة من الغذاء لسكان يتوقع أن يصل تعدادهم 11 مليار شخص على الصعيد العالمي في الثمانين سنة المقبلة. إذن وبحسب «نيوافريكان»، فمن الواضح أن الأفريقي الذي يتعرض لعملية غسل دماغ ويصبح بلا ذاكرة، سيتحول الى شخص يسهل قيادته واعادة توطينه خلافا لاولئك الرعاة وغيرهم من المواطنين، الذين يتوارثون تاريخهم محتفظين بذاكرة متقدة. وتختم المجلة قائلة «لنتذكر أن أكبر عائق يواجه تنفيذ مشروع الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي يتمثل في أن الفلسطينيين، الذين غادروا إلى مخيمات اللاجئين منذ أكثر من 70 عاما احتفظوا بذاكراتهم وحملوها معهم، فهل تم تجريد الافارقة من ذاكراتهم الثقافية لكي يسهل في النهاية اخراجهم من ارضهم؟ ان شخصا بلا تاريخ لن يكون له مستقبل».