مع ارتفاع أسعار الغذاء في جميع أنحاء العالم بصورة خطيرة، وانتشار رقعة الفقر والجوع في المجتمعات، وخاصة في الدول النامية، أجد نفسي أترحم على حلم كان يراود المواطن العربي، حلم جميل راود خيالنا جميعا، إلى أن صحونا على واقع سياسي بغيض وأطماع خارجية لا ترحم. كنا نحلم قبل خمسة أعوام أن يصبح السودان الشقيق في يوم قريب سلة الخبز العربي. فالسودان يمتلك كل المقومات التي يمكن أن تجعل منه أحد أكبر وأهم وأغنى الدول الزراعية في العالم. لديه الأراضي الشاسعة والتربة الخصبة الصالحة للزراعة، والمياه الحلوة، والأنهار الجارية، والتنوع المناخي والجغرافي والإيكولوجي، والأيادي العاملة الرخيصة، إلى آخر تلك العوامل والمقومات الضرورية لنشاط زراعي متفوق وثروة زراعية مرموقة. حلم كبير، دوله عربية واحدة، بمساحة شاسعة (أكبر دولة عربية وأفريقية مساحة)، وتعداد لا يزيد على 38 مليونا، ومتوسط عمر شعبها في حدود 20 عاما، يمكنها أن تطعم أمة عربية بأكملها وبتعدادها الذي يزيد على 300 مليون نسمة، وتغنيهم عن استثمارات زراعية في بلاد أخرى. ولكن هل يسمح العالم المسيطر زراعيا وصناعيا، الذي يعيش على التصدير، بأن تصبح هذه الأمة العربية مكتفية ذاتيا زراعيا وغذائيا؟ هل تستطيع الدول المتطورة التي تتحكم في الصناعة والزراعة العالمية، أن تقبل باستقلالية العالم العربي في طعامه ومشربه، هذا العالم العربي الذي جبل على الاستهلاك، والذي يسيطر أيضا على ثروة هائلة من النفط ومصادر الطاقة؟ أم أنها ستفعل كل ما في وسعها لكي تبقي العالم العربي معتمدا عليها حتى في طعامه وشرابه؟ أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة. ولكني أعلم أن هناك من لا يريد خيرا لهذه الأمة التي منحها الله خيرات كثيرة لا حصر لها، وأن هناك من يضع العراقيل أمام وحدتها واستقلاليتها، وهم ليسوا من خارجها فقط كدولة صهيون أو أذنابها، وإنما أيضا من داخل صفوفها. هذه الأمة يمكن أن تكون عالما بنفسها، وقوة لا تقل عن القوى العالمية العظمى، إن استطاعت أن تخرج من غفلتها وتعتمد على سواعدها وعقولها، وتستفيد من الخيرات التي وضعها الله تحت تصرفها. السودان، هذه الدولة الفقيرة الغنية، الشاسعة بأرضها الخصبة والمحدودة التصرف والحركة في أراضيها، المتنوعة في ثرواتها وهي جميعها غير مستغلة، الدولة التي كان في إمكانها أن تمد العالم العربي بالغذاء والطعام، التي كانت من الممكن أن تصبح سلة فواكه العالم العربي، ومزرعته الخصبة، وسلة خبزه، أصبحت اليوم للأسف عرضة للتمزق والشرذمة، والفرقة والتقسيم. هل مجرد الحلم كثير علينا؟ هل محظور علينا أن نأمل ونحلم؟. ولماذا نحلم، ولماذا نتعب، طالما أن الدول المسيطرة صناعيا وزراعيا واقتصاديا تزرع لنا وتبيع علينا الطعام والشراب مقابل أموال طائلة. لا مانع، فهذه هي الطريقة المثلى لتدوير دولارات النفط في رأيهم، وتجويعنا متى ما شاؤوا وإشباعنا متى ما تلطفوا وتعطفوا. يبدو أن حلمنا الكبير سيظل مجرد حلم، فالسودان على وشك أن يجزأ، وأن يقسم، وأن يتشرذم، وسوف نظل نشتري غذاءنا من الدول المسيطرة التي خططت لانقسام السودان وتجزئته وشرذمته، وسنظل نأكل من زرعهم ونخبز من غلالهم، طالما أمكننا تسديد الفاتورة بأسعار هم يحددونها حسب تقديراتهم، وحسب مزاجهم وتفضلهم، ويلقون بالفائض في المحيطات، أو يطعمون به ماشيتهم. وآه يا سودان. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 129 مسافة ثم الرسالة