التحولات الثقافية عند ما نرصدها بمنظور تقني، نجد أن لوسائط الاتصالات وبرامج التواصل الاجتماعية تأثيرها الذي لا يمكن تجاهله أو التقليل من شأنه في حدوث الكثير من التغييرات التي طالت العديد من مظاهر الحياة وأنماطها وأساليب التعبير فيها. فالأمثال الشعبية مثلاعندما نضعها مقياساً على مقدار تلك الإزاحة الثقافية، سيتبادر إلى أذهاننا فوراً انحسارها عن خطاباتنا اليومية، بينما كان لها حضورها السابق كمساعد ومكمل للغتنا التعبيرية. فبالإضافة إلى حمولاتها الأخلاقية ودورها في تعزيز قيم المجتمع وانضباط إيقاعه، إلا أنها كانت ترفد اللغة الشفاهية بقوالب جاهزة من المعاني وتختصر الكثير من الشروحات التي يمكن تعويضها باستخدام المثل. بالطبع هناك عوامل أخرى غير التقنية في انسحاب المثل عن واجهة الخطاب اليومي مثل عاملي التعليم والقراءة حيث مساهماتهما في ثراء المفردات وتنوعها، لكن بالرغم من أهميتهما، يبقى للتقنية دورها الفاعل والرئيس في ذلك وبالذات وسائط الاتصالات الصوتية والمرئية، وتحديداً عند ما دخل تقليد «السيلفي» للصور الفردية والبرامج الناقلة لها كسناب شات والانستغرام. فبالرغم من محدودية المساحة الزمنية التي تتيحها هذه التقنية وتأثيرها على طابع الإيجاز في الحديث، إلا أنها من جانب آخر تستطيع وبسهولة نقل الرسالة المراد إيصالها كاملة، مع ملاحظة أن حصة الكلام غير المنطوق فيها «الصور»، يفوق في مساحته بمرات التعبير اللفظي. وهذا التغيير في أساليب التواصل لا يقتصر فقط على المثل الشعبي، بل يتجاوزه إلى باقي الروافد التعبيرية كالشعر وكلمات الأغاني. وإذا سلمنا جدلاً بأن لكل زمان لغته وثقافته، فسوف نخسر من انحسار الأمثال الكثير مما كانت تزودنا به تلك الروافد من الانسجام باعتبارها عناصر مهمة في توليد الثقافة الجمعية، وهذا ما لا تستطيع وسائط التواصل الاجتماعية تعويضه، بل هي تعزز الرؤية الفردانية مقابل المشترك الاجتماعي.