انتشر في الآونة الأخيرة تصوير الشخص نفسه بواسطة كاميرا رقمية أو كاميرا هاتف مرفوعة إلى مستوى الوجه وهو ما يعرف ب«سيلفي»، وقد أضاف قاموس أكسفورد الكلمة إلى طياته الإلكترونية في أغسطس، وزاد أنه غالبا ما يتم تحميل الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي. لقد أصبح «سيلفي» ظاهرة تستحق الدراسة؛ لأنها تعكس الكثير من الحقائق حول نظرتنا لأنفسنا ونظرة العالم إلينا. ولتحليل الظاهرة لا بد من الرجوع إلى تاريخ فن التصوير وتطوره وتغير دوره عبر السنين. فبعد استخدام الغرفة المظلمة وإضافة العدسة ثم الحدقة، جاء اختراع الصندوق الخشبي المحمول، ومن بعده الكاميرا العادية ثم الرقمية. وتحول التصوير من توثيق للحظات الحياتية الكبرى إلى توثيق لتفاصيل الحياة اليومية العادية. ولما انكمش دور الطرف الثالث أو الوسيط ما بين الملقي والمتلقي حتى كاد يختفي، لم يعد وجود المصور ضروريا مع تقنيات الهواتف الذكية؛ لأن الصورة صارت تنتقل من صاحبها إلى جمهوره مباشرة. لقد عززت مواقع التواصل الاجتماعي النزعة الفردانية لدى الأشخاص في الوقت الذي سيطرت فيه ماكينة الرأسمالية، واستنزفت طاقات الأفراد وحدت من تفاعلهم الاجتماعي في الواقع. فأصبح الإنسان كفرد مستقل محور العالم، وأصبحت تفاصيل حياته محط الاهتمام. لهذا يزعم فريق أن «سيلفي» هو تعبير صريح لهيمنة النرجسية على سلوك الأفراد، ويزعم آخر أن النرجسية سمة متأصلة وكامنة في الإنسان، لكن وسائل التواصل الحديث سهلت التعبير عنها. «سيلفي» هو تدوين مرئي لتفاصيل حياة الشخص، لكن المفارقة أن ذلك الشخص يحتاج مشاركتها مجتمعه الافتراضي لكي يشعر بفردانيته! بات الكل يسجل حضوره افتراضيا؛ لأنه يخاف ألا يلحق بركب الحاضرين بشهاداتهم المرئية على أنستجرام وغيره. نخاف الضياع وسط زحام الصور، فنؤكد حضورنا بنشر المزيد منها. يقول البعض إن صاحب «السيلفي»، بالرغم من ممارسته نشاطاته اليومية وحده، إلا أنه يشارك الآخرين وحدته. لكن الحقيقة أنه وحيد يلهي نفسه بمشاركة الآخرين صوره بدلا من عيش تجربته حقيقة أو حتى مواجهة خوفه من عيشها وحده! فإذا لم تكن الفردانية نابعة من شعور راسخ بالتفرد والاستقلالية والاكتفاء الذاتي، فإنها ليست فردانية حقيقية. «سيلفي» هو وحدة تتنكر في ثوب فردانية.