الذي يقرأ تاريخ الصحافة في المملكة العربية السعودية وارهاصاتها المبكرة، سيجد حتما أشياء كثيرة عن الدور الذي لعبته المدينتان التوأمان، الخبروالدمام، في رفد حركة النهضة الأدبية والثقافية في المملكة عموما، وفي المنطقة الشرقية خصوصا. فقد شهدت الدمام ميلاد أولى صحف المنطقة الشرقية في يوم 26 ديسمبر 1954 تحت اسم جريدة «الظهران»، وتولى فيها عبدالكريم بن عبدالعزيز الجهيمان (أبوسهيل)، الشخصية الموهوبة التي كتبت البحث والمقال والقصيدة، المرحوم عبدالكريم الجهيمان عمل في سلاح الهجانة وفي التعليم والقضاء والصحافة والطباعة والأدب والنقد وتأليف مقررات الحديث والفقه والمطالعة المدرسية منفردا أو مع آخرين، منصب مدير التحرير بينما ذهبت رئاسة التحرير إلى الشيخ عبدالله الملحوق (مدير مكتب أمير المنطقة الشرقية آنذاك). وسرعان ما غادر الملحوق الدمام إلى بيروت ليعمل ملحقا بالسفارة السعودية هناك فآلت رئاسة تحرير الصحيفة إلى الجهيمان. الصفحة الأولى من أحد أعداد «أخبار الظهران» في عام 1957 أخبار الظهران لاحقا، وابتداء من عددها السابع، تم تغيير اسم الجريدة إلى «أخبار الظهران»، علما بأن الأعداد الأولى منها كانت تُطبع في بيروت، فكانت مواد الصحيفة ترسل كاملة إلى بيروت لتطبع هناك، ثم صارت في وقت لاحق تطبع وتصدر عن مطابع شركة الخط بالدمام كل نصف شهر مؤقتا. ويخبرنا الأستاذ محمد عبدالرزاق القشعمي في مقال له بمجلة الواحة (17/10/2007) أن «أخبار الظهران» ظلت طوال فترة وجودها من عددها الأول الصادر في 26/12/1954 وحتى عددها الأخير الرابع والأربعين الصادر في 29/4/1957 تصدر مرتين في الشهر وأحيانا أربع مرات، بأربع صفحات على مقاس 58X40 سم، ويُباع العدد بربع ريال، بينما كانت قيمة الاشتراك السنوي 12 ريالا. ويضيف القشعمي (بتصرف) قائلا: «تولى سكرتارية تحرير الجريدة فترة من الزمن سعود العيسى، وصدرت الأعداد الأربعة الأولى منها دون افتتاحية، وفي العدد الخامس كُتب في الزاوية اليمنى من الصفحة الأولى مقال بعنوان (هذه الصحيفة) بقلم الجهيمان جاء فيه (إننا نمد يدنا إلى قرائنا الكرام ونعاهدهم على تحقيق رغباتهم العادلة التي هي رغبات كل مواطن يشعر بواجبه نحو وطنه العزيز وحكومته ومواطنيه، ولكننا نحب أن لا يفوت قراءنا الكرام أن الطفرة محال وأن كل مشروع - لكل كائن حي- لا بد أن يمر بأطوار يفرضها عليه ناموس الكون وتحتمها عليه ظروف الحياة ...الخ)». الجهيمان في عام 1955 يتفقد المطبعة التي كانت تطبع «أخبار الظهران» (أرشيف مجلة قافلة الزيت) ثقة بالنفس تقول الأكاديمية السعودية الدكتورة جنان التميمي في مجلة«المجلة»(19/2/2014): إن الصحيفة في بداياتها «كانت ضعيفة هزيلة، ولكن النشأة العلمية التي نشأ عليها الجهيمان أكسبته ثقة بالنفس، وإقرارا بالقدرة على العمل والتقدم والنجاح، على الرغم من شح الموارد الثقافية وأمية المجتمع وبساطة الحياة. وصار يعنى بالموضوعات التي لها تأثير مباشر على الناس، فزاد اهتمام القراء بها، وبدأت تنمو وتكبر ويتسع توزيعها ويكثر قراؤها شيئا فشيئا». تم توقفت صحيفة «أخبار الظهران» عن الصدور في عام 1957 عند العدد 44، وذلك لأسباب عدة فخسرت المنطقة الشرقية بذلك إطلالتها الصحفية الأولى، لكن ما يجدر بنا ذكره هنا أن الدمام كانت قد شهدت أيضا ميلاد ثانية صحف المنطقة وذلك في الخامس من مارس 1955. ففي هذا التاريخ صدرت جريدة تحمل اسم «الفجر الجديد»، وذلك اتساقا مع الطموحات التي اعتملت في النفوس في أوائل الخمسينات من القرن الماضي مع تولي المغفور له الملك سعود بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية خلفا لوالده الملك المؤسس. وتقرر أن يكون صدورها في بادئ الأمر أسبوعيا، قبل أن تضطر إلى التحول إلى جريدة نصف شهرية. كما تقرر أن تُطبع في المطبعة السعودية بالدمام التي كان قد أسسها الشاعر والمؤرخ والمصلح المعروف خالد الفرج الدوسري، وذلك بدلا من طباعتها في البحرين أو طباعتها في الرياض تلبية لدعوة كريمة من علامة الجزيرة المرحوم الشيخ حمد الجاسر الذي رحب بفكرتها، وتعهد بالكتابة فيها. أما الذي تبنى فكرة «الفجر الجديد»، وتحمل مخاض ميلادها، وسعى لدى الجهات المختصة للسماح باصدارها فهما اثنان من أبناء المنطقة الشرقية ممن عشقوا الصحافة والكتابة وهاموا بها منذ سنوات شبابهم، وتميزت أعمالهم بالجرأة والشفافية والصراحة، وامتزجت أرواحهم بقضايا وطنهم وأمتهم العربية، وهما يوسف (أبوسمير) وشقيقه أحمد نجلا الشيخ يعقوب بن الشيخ يوسف آل إبراهيم قاضي الجبيل المعين من قبل الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه-، ومدير أول مدرسة حكومية فيها. كان حظ «الفجر الجديد» كحظ شقيقتها «أخبار الظهران»، بل أسوأ بكثير لأنه تم تعطيلها عند عددها الرابع الذي كان معدا للتوزيع ولم يوزع في عام 1955. لكن كيف كانت هيئة الأعداد الثلاثة من جريدة «الفجر الجديد»؟ الشيخ يعقوب آل إبراهيم فجر جديد الإجابة نجدها في مرثية نشرتها صحيفة «اليوم» في سبتمبر 2011 بمناسبة رحيل يوسف الشيخ يعقوب عن 93 عاما. حيث ذكرت «اليوم»، بعد وصفها الراحل بأنه «شخصية متقدة، وافرة الفكر والإحساس، شغوفة بالمطالعة والكتابة وإعداد البحوث الاجتماعية، ومعنية بالمساهمة في الحركة الفكرية في وطنه»، أن العدد الأول من «الفجر الجديد»، والذي رأى النور في 5/3/1955، كُتب في صفحتها الأولى أنها «جريدة أسبوعية جامعة، يشرف عليها نخبة من المثقفين». أما في العدد الثاني فقد أضيف إلى ما سبق العبارات التالية: «تصدر مؤقتا نصف شهرية ثمن النسخة نصف ريال»، «صاحب الامتياز ومدير التحرير أحمد الشيخ يعقوب، رئيس التحرير يوسف الشيخ يعقوب»، «الاشتراكات: داخل المملكة 25 ريالا، وخارج المملكة 40 ريالا». وفي آخر صفحة من صفحاتها كُتب أنها تطبع في «المطبعة السعودية» بالدمام، علما بأن كل الأعداد صدر في ثماني صفحات بمقاس 44 في 30 سم. في العدد الأول، كتب مدير التحرير أحمد الشيخ يعقوب كلمة الافتتاح تحت عنوان «اعتراف لا بد منه»، وكتب عبدالعزيز محمد القاضي مقالا بعنوان «خطوة»، وكتب عبدالله بن محمد بن خميس مدير المعهد العلمي بالأحساء مقالا آخر بعنوان «فجر جديد في عالم الصحافة»، وكتب رئيس التحرير مقالا ثالثا بعنوان «في موكب الفجر». أما الأساتذة سعد البواردي وحسن عبدالله القرشي وعبدالرحمن المحمد المنصور فقد كتب كل منهما قصيدة حملت بالترتيب العناوين التالية: «فجر جديد»، «سنسحق أعداءنا»، «أنات لاجئ». وفي العدد أيضا قصة بعنوان «ورقة الطلاق»، وبحث تاريخي مطول لعبدالرسول الجشي عن الدمام، ونعي للشاعر والمؤرخ خالد الفرج الذي كان قد توفي في لبنان في عام 1954. في العدد الثاني الذي صدر في 19 مارس 1955، كتب افتتاحية العدد أحد أعضاء أسرة التحرير، وهو الأستاذ محمد الهوشان الذي رمز إلى اسمه ب«أبوعمر»، وكانت الافتتاحية بعنوان «نريد فكرة لا أسلوبا»، وكتب فيه أيضا الكتاب المشار إليهم آنفا، أو نشروا فيه قصائدهم. أما في العدد الثالث والأخير الصادر في 2 أبريل 1955، فقد كانت الافتتاحية بعنوان «التعليم والثقافة العامة» بقلم الأستاذ عبدالغني ناظرين الذي أرفق اسمه بعبارة «ليسانس حقوق». كما كتب رئيس التحرير يوسف الشيخ يعقوب مقالا بعنوان «رئيس التحرير في قفص الاتهام». وهكذا لحقت «الفجر الجديد» بشقيقتها «أخبار الظهران»، على الرغم من النجاحات التي حققتها لجهة استقطاب القراء. وفي هذا السياق يمكن أن نستشهد بما قاله أبوسمير في مقابلة له قبل رحيله مع جريدة «اليوم» (9/4/2004)، حيث أخبرنا أن إقبال الجمهور على «الفجر الجديد» كان كبيرا منذ العدد الأول، «الأمر الذي دعانا إلى مضاعفة العدد الثاني إلى ثلاثة آلاف نسخة، ثم طباعة أربعة آلاف نسخة من العدد الرابع الذي جرى إيقافه». المرحوم عبدالله الشباط الحركة الصحفية وإذا كانت الدمام قد شهدت كل ما سبق من بدايات الحركة الصحفية في المنطقة الشرقية، فإن الخبر لم تكن بعيدة عن المشهد والتفاعل والعطاء. نجد تجليات ذلك في صدور مجلة/صحيفة «الخليج العربي» التي لها قصة طويلة لا بد من روايتها للأجيال الجديدة، عن طريق الاستعانة بسيرة ومسيرة أحد أبطالها وهو المرحوم الأديب عبدالله بن أحمد الشباط. الخليج العربي في عام 1375 للهجرة الموافق لعام 1955 ميلادي، لاحت لثلة من رجالات الأحساء العاشقين للثقافة والفكر، من أمثال الشباط وإبراهيم بن عبدالمحسن العبدالقادر وعبدالعزيز بن سليمان العفالق فكرة طلب ترخيص من الجهات الرسمية لإصدار مجلة ثقافية بالأحساء تحت اسم «الخليج العربي»، على أن يكون الأول رئيسا لتحريرها والثاني مديرا للتحرير والثالث سكرتيرا للتحرير. وقد لعب المرحوم الشباط دورا محوريا في تلك المساعي التي اثمرت في نهاية المطاف عن الحصول على الترخيص المطلوب وظهور مجلة «الخليج العربي» إلى النور في الاول من ربيع الاول عام 1376 للهجرة الموافق لعام 1956 ميلادي، بل كان الشباط دينامو المجلة ولولبها بفضل مواهب وخبرات تراكمت لديه منذ ان كان طالبا ناشطا في مجال اصدار صحف الحائط في المعهد العلمي بالأحساء، ومساهما بارزا في انشطة النادي الأدبي التابع للمعهد، وصاحب مراسلات ومساهمات في عدد من المجلات والصحف العربية مثل مجلة «الهدف» ببغداد، و«القلم الجديد» في عمان، ومجلة «السمير» التي كان يصدرها الشاعر إيليا أبو ماضي من نيويورك، وجريدة «البحرين» التي أصدرها تاجر اللؤلؤ والشاعر والمصلح البحريني عبدالله علي الزايد في عام 1932 ثم أعاد إصدارها سالم العبسى لاحقا من بعد توقف قسري. توقفت مجلة «الخليج العربي» عن الصدور بعد ستة أعداد فقط. وعن الأسباب كتب فيصل الهباد في مجلة الاقتصاد الشهرية الصادرة عن غرفة الشرقية (6/7/2017) ما يلي: «إن سوء التخطيط ونقص الخبرة وعدم الإلمام بمهنة الصحافة جعل الفشل حليفها، إذ توقفت بعد صدور ستة أعداد فقط، حيث كان يصدرها (الشباط) من الدمام ويطبعها في المطبعة السعودية التي أنشأها خالد الفرج وقام بطباعة 1500 نسخة مقابل ألف ريال، واعتمد على جهده وجهد أصدقائه في عملية التوزيع، حيث قام بتوزيع خمسمائة نسخة بالدماموالخبر والقطيف والأحساء، وتبقى لديه ألف نسخة أرسلها إلى أحد أصدقائه بالرياض وأعطاه حرية التصرف بها، إلا أنه لم يتلق أي نتيجة عن مصير تلك النسخ، ولأسباب مادية توقفت المجلة عن الصدور عام 1375ه». صحيفة أسبوعيةوتشاء إرادة الله أن يلتقي الشباط في هذه الفترة العصيبة بالأديب محمد أحمد فقي الذي كان وقتها يترأس إدارة مرور الظهران والذي سأله عن مجلته. وعندما شرح الشباط المعوقات التي واجهته وأفضت إلى توقفها، أبدى فقي استعداده لمساعدته في عملية إعادة إصدار المجلة شريطة أن يكون هو (أي فقي) رئيسا للتحرير، والشباط مديرا للإدارة، وأن تكون المجلة في صيغة صحيفة أسبوعية وينقل مقرها للخبر. وهكذا عاودت «الخليج العربي» الصدور في أواخر عام 1377 للهجرة الموافق لعام 1957 ميلادي من مقر تم استئجاره في إحدى عمارات صدقة وسراج كعكي المطلة على شارع الملك سعود وشارع التقاطع الأول بالخبر، واستطاعت أن تستقطب مجموعة من كتاب الخبر والمنطقة الشرقية الشباب الذين استهوتهم الكتابات الاجتماعية والنقدية والشعرية والادبية، علما بأن «الخليج العربي» بعدما تحولت إلى صحيفة اسبوعية طبعت أولا في المطبعة السعودية بالدمام ثم في مطابع شركة الخط بالدمام أيضا، فالمطابع الوطنية بالرياض فمطابع الإصفهاني بجدة، قبل أن تؤسس الصحيفة مطابع خاصة بها في الخبر في عام 1960 بموجب الترخيص الممنوح لها. سعد البواردي صراع حاد وبهذا دخلت «الخليج العربي» التاريخ كأول صحيفة تصدر في الخبر، واستمرت تعمل بنجاح مع انتقال ملكيتها ورئاسة تحريرها إلى الأستاذ علي أبوخمسين، إلى أن احتجبت عن الصدور في عام 1961 حينما صدر نظام المؤسسات الصحفية في تلك السنة. على أن «الخليج العربي» لم تكن الوسيلة الإعلامية المكتوبة الوحيدة التي انجبتها الخبر. فعلاوة عليها ظهرت مجلة «الإشعاع» كأول مجلة أدبية اجتماعية شهرية تصدر من الخبر. حيث صدر العدد الأول منها في الأول من محرم 1375 الموافق للخامس من أغسطس 1955، وكانت أعدادها تطبع في المطبعة السعودية بالدمام، علما بأنها أولت اهتماما خاصا بمعالجة القضايا الفكرية والاجتماعية والثقافية والأدبية، وفتحت أبوابها للمواهب الشابة. وهذه المجلة، التي استمرت لمدة عامين قبل أن تضطر للتوقف بسبب الظروف المالية وقلة مساهمات الكتاب ومنافسة المجلات القادمة من الخارج، لها قصة أيضا. فبعد تعطيل «الفجر الجديد» قام أحد كتابها وهو الأستاذ سعد البواردي بتشجيع من يوسف الشيخ يعقوب بتحقيق فكرة إطلاق مجلة ثقافية شهرية من الخبر. وكان البواردي يعمل وقتذاك موظفا في قسم قطع غيار السيارات لدى شركة عبدالكريم عبداللطيف العيسى بالخبر، وليست لديه دراية كافية بإدارة مجلة من هذا النوع، وإن كان مطلعا ويهوى الكتابة الصحفية ونظم الشعر. جملة القول إن البواردي تقدم إلى السلطات الرسمية بطلب الحصول على ترخيص لإصدار المجلة المذكورة تحت عنوان «الإشعاع»، فجاءته الموافقة فتولى إصدارها والاشراف عليها ورئاسة تحريرها، حيث تدبر أموره بسرعة لأن «عالمنا العربي كان يعيش حالة مخاض سياسي، وتحولات تاريخية. كانت الأجواء مشحونة ملتهبة. صراع حاد بين الاحتلال والاستقلال في أكثر من مكان. وكان الصوت مرتفعا ولاسعا على مستوى عالمنا العربي ونحن جزء منه نتفاعل مع قضاياه وأحداثه»، على حد قوله كما رواه عنه محمد عبدالرزاق القشعمي في مقال له بعنوان «سعد البواردي ومجلة الإشعاع» نشرته مجلة الواحة (العدد 60، سنة 2010).